معاني القرآن للفراء - الفراء  
{يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمۡ وَيَهۡدِيَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَيَتُوبَ عَلَيۡكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (26)

وقوله : { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ . . . }

وقال في موضع آخر { والله يُرِيدُ أن يتوبَ عليكم } والعرب تجعل اللام التي على معنى كي في موضع أن في أردت وأمرت . فتقول : أردت أن تذهب ، وأردت لتذهب ، وأمرتك أن تقوم ، وأمرتك لتقوم ؛ قال الله تبارك وتعالى { وأُمِرنا لِنُسْلِم لِربِّ العَالمِين } وقال في موضع آخر { قل إِني أُمِرت أن أكون أوّل من أسلم } وقال { يرِيدون لِيطفِئوا } و { أن يطفِئوا } وإنما صلحت اللام في موضع أن في ( أمرتك ) وأردت لأنهما يطلبان المستقبل ولا يصلحان مع الماضي ؛ ألا ترى أنك تقول : أمرتك أن تقوم ، ولا يصلح أمرتك أن قمت . فلما رأوا ( أن ) في غير هذين تكون للماضي والمستقبل استوثقوا لمعنى الاستقبال بكى وباللام التي في معنى كي . وربما جمعوا بين ثلاثهن ؛ أنشدني أبو ثروان :

أردت لكيما لا ترى لي عَثْرَةً *** ومَنْ ذا الذي يُعْطَى الكمالَ فيَكْملُ

فجمع ( بين اللام وبين كي ) وقال الله تبارك وتعالى : { لِكيلا تَأْسَوْا على ما فاتكم } وقال الآخر في الجمع بينهن :

أردتَ لكيما أن تَطَير بِقرْبتي *** فتتركها شَنا ببيداء بلقع

وإنما جمعوا بينهنّ لاتفاقهنّ في المعنى واختلاف لفظهن ؛ كما قال رؤبة :

*** بِغيرِ لا عَصْفٍ ولا اصْطِرافِ ***

وربما جمعوا بين ما ولا وإن التي على معنى الجحد ؛ أنشدني الكسائي في بعض البيوت : ( لا ما إن رأيت مثلك ) فجمع بين ثلاثة أحرف .

وربما جعلت العرب اللام مكان ( أن ) فيما أشبه ( أردت وأمرت ) مما يطلب المستقبل ؛ أنشدني الأنفي من بنى أنف الناقة من بنى سعد :

ألم تسأَلِ الأنفي يومَ يَسُوقني *** ويَزْعم أنى مُبْطِلُ القولِ كاذِبُهْ

أحاولَ إعناتي بما قال أم رجا *** ليضحك منى أو ليضْحك صاحبُهْ

والكلام : رجا أن يضحك منى . ولا يجوز : ظننت لتقوم . وذلك أنّ ( أَن ) التي تدخل مع الظنّ تكون مع الماضي من الفعل . فتقول : أظنّ ( أن قد ) قام زيد ، ومع المستقبل ، فتقول : أظنّ أن سيقوم زيد ، ومع الأسماء فتقول : أظنّ أنك قائم . فلم تجعل اللام في موضعها ولا كي في موضعها إذ لم تطلب المستقبل وحده . وكلما رأيت ( أن ) تصلح مع المستقبل والماضي فلا تُدخلنَّ عليها كي ولا اللام .