ولما أتم سبحانه الحلال والحرام من هذه الحدود والأحكام ، وختمها بصفة الرحمة بين ما أراد بها من موجبات الرحمة تذكيراً بالنعمة لتشكر ، وتحذيراً من أن تنسى فتكفر{[21017]} فقال تعالى : { يريد الله } أي الملك الأعظم إنزال هذه الأحكام على هذا النظام { ليبين لكم } أي ليوقع لكم البيان الشافي فيما لكم وعليكم من شرائع الدين { ويهديكم } أي يعرفكم { سنن } أي طرق { الذين } ولما كان المراد بعض الماضين قال : { من قبلكم } أي من أهل الكتاب{[21018]} : الأنبياء وأتباعهم { ويتوب عليكم } أي يرجع بكم عن كل ما لا يرضيه ، لا سيما ما يجر إلى المقاطعة{[21019]} - مثل منع{[21020]} النساء والأطفال الإرث ، ومثل نكاح ما يحرم نكاحه وغير ذلك ، فأعلمهم بهذا أنهم لم يخصهم{[21021]} بهذه التكاليف ، بل يسلك بهم فيها صراط الذين أنعم{[21022]} عليهم ليكون ذلك أدعى لهم إلى القبول وأعون على الامتثال ، وليتحققوا أن إلقاء أهل الكتاب الشبه إليهم وتذكيرهم بالأضغان{[21023]} لإرادة إلقاء العداوة محض حسد لمشاركتهم لهم في مننهم إذ{[21024]} هدوا{[21025]} لسننهم{[21026]} ، وما أحسن ختم ذلك بقوله : { والله } أي المحيط بأوصاف الكمال { عليم حكيم * } فلا يشرع لكم شيئاً{[21027]} إلا وهو في غاية الإحكام . فاعملوا به يوصلكم إلى دار السلام{[21028]} .
بيان ذلك أن ما في هذه السورة الأمر بالتقوى والحث عليها ، وبيان الفرائض وأمر الزناة ، وما يحل ويحرم من النساء ، والتحري في الأموال ، والإحسان إلى الناس ، لا سيما الأيتام والوالدين ، والإذعان للأحكام ، وتحريم القتل ، والأمر بالعدل في الشهادة وغيرها ، وكل ذلك مبين أصوله في التوراة كما هو مبثوث{[21029]} في هذا الديوان عن نصوصها في المواضع اللائقة به ، لكن القرآن أحسن بياناً وأبلغ تبياناً وأبدع شأناً وألطف عبارة وأدق إشارة ، وأعجب{[21030]} ذلك أن سبب إنزال فرائض الميراث في شريعتنا النساء ، ففي الصحيحين وغيرهما عن جابر رضي الله عنه قال : " مرضت فعادني {[21031]}رسول الله{[21032]} صلى الله عليه وسلم ، فأتاني وقد أغمي عليّ " وفي رواية البخاري{[21033]} في التفسير : " عادني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين ، فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل ، فدعا بماء فتوضأ فصب عليّ وضوءه فأفقت ، فقلت : يا رسول الله ! كيف أصنع في مالي ؟ " وفي رواية لمسلم : " إنما يرثني كلالة فلم يجبني بشيء " وفي رواية الترمذي : " وكانت لي {[21034]}تسع أخوات حتى نزلت آية الميراث " وفي رواية للبخاري : " فنزلت " وفي رواية للترمذي : " حتى نزلت ( يوصيكم الله في أولادكم ) " وفي رواية للترمذي : حتى نزلت آية الميراث { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } الآية ، وقال : حديث صحيح . ولأبي داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
" جاءت امرأة سعد بن ربيع بابنتيها من سعد رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت{[21035]} : يا رسول الله ! هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيداً ، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع{[21036]} لهما مالاً ، ولا تنكحان{[21037]} إلا ولهما مال ، قال : يقضي{[21038]} الله عز وجل في ذلك ، فنزلت آية الميراث " وفي رواية أبي داود : ونزلت الآية في سورة النساء ، { يوصيكم الله في {[21039]}أولادكم } وفي رواية الدارقطني : " فنزلت سورة النساء ، وفيها { يوصيكم الله في أولادكم{[21040]} } إلى آخر الآية - فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال : أعط{[21041]} ابنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فهو لك " وفي رواية للدارقطني{[21042]} : " إن امرأة سعد بن الربيع قالت : يا رسول الله ! إن سعداً هلك وترك ابنتين وأخاه ، فعمد أخوه{[21043]} فقبض ما ترك سعد ، وإنما تنكح النساء على أموالهن ، فلم يجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه{[21044]} ذلك ، ثم جاءته{[21045]} فقالت : يا رسول الله ! ابنتا سعد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادعي لي أخاه ! فجاء{[21046]} فقال : ادفع إلى ابنتيه الثلثين ، وإلى امرأته الثمن ، ولك ما بقي " وقال شيخنا حافظ عصره أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر في الإصابة في أسماء الصحابة : روى أبو الشيخ في تفسيره من طريق عبد الله بن الأجلح الكندي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان أهل الجاهلية {[21047]}لا يورثون{[21048]} البنات ولا الأولاد{[21049]} الصغار حتى يدركوا ، فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت ، وترك بنتين وابناً صغيراً ، فجاء ابنا عمه خالد وعرفطة فأخذا ميراثه ، فقالت امرأته للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك{[21050]} ، فأنزل الله تعالى { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون }[ النساء : 7 ] فأرسل إلى خالد وعرفطة فقال : لا تحركا{[21051]} من الميراث شيئاً{[21052]} " ورواه أبو الشيخ من وجه آخر فقال : قتادة وعرفطة ورواه الثعلبي في تفسيره{[21053]} فقال : سويد وعرفطة ، {[21054]}ووقع{[21055]} عنده أنهما أخوا{[21056]} أوس{[21057]} : ورواه مقاتل في تفسيره لفقال : إن أوس بن مالك توفي يوم أحد وترك امرأته أم كجة وبنتين فذكر القصة " وذكر شيخنا في تخريج أحاديث الكشاف أن الثعلبي والبغوي ساقا بلا سند أن أوس بن الصامت الأنصاري ترك امرأته أم كجة وثلاث بنات ، فزوى ابنا عمه سويد وعرفطه أو قتادة وعرفجة ميراثة عنهن ، وكان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الأطفال ويقولون : لا يرث إلا من طاعن بالرماح ، وذاد عن الحوزة ، وحاز الغنيمة ، فجاءت أم كجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفضيخ ، فشكت إليه ، فقال : ارجعي حتى أنظر ما يحدث الله ، فنزلت
للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون }[ النساء : 7 ] فبعث إليهما : لا تفرقا من مال أوس شيئاً ، فإن الله قد جعل لهن نصيباً ، ولم يبين حتى نزلت { يوصيكم الله في أولادكم } الآية ، فأعطى أم كجة{[21058]} الثمن والبنات الثلثين والباقي لابني{[21059]} العم " ورواه الطبري من طريق ابن جريج عن عكرمة على غير هذا السياق ، ولفظه : " نزلت في أم كجة{[21060]} و{[21061]}ابنة أم كجة{[21062]} وثعلبة وأوس بن سويد ، وهم من الأنصار ، كان أحدهما زوجها والآخر عم ولدها ، فقالت : يا رسول الله ! توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث{[21063]} ، فقال عم ولدها : إن ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلاًّ ولا ينكأ عدواً ، فنزلت{ للرجال نصيب }[ النساء : 7 ] ، وروي من طريق السدي ، قال في قوله :{ يوصيكم الله في أولادكم }[ النساء : 11 ] " كان{[21064]} أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان ، ولا يورثون إلا من أطاق القتال ، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امرأة يقال لها أم كجة{[21065]} ، وترك خمس أخوات ، فجاءت الورثة فأخذوا ماله ، فشكت أم كجة{[21066]} ذلك{[21067]} إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله{ فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك }[ النساء : 11 ] ثم قال في أم كجة{[21068]}{ ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد }[ النساء : 12 ] " .
فجميع هذه الروايات - كما ترى - ناطقة بأن سبب نزول آيات الميراث النساء ، ويمكن أن يكون المجموع سبباً - والله أعلم ؛ وذلك كما أن سبب إنزال الفرائض في التوراة كان النساء أيضاً ، وذلك أنه{[21069]} جل{[21070]} أمره وعز اسمه وتعالى جده لما أمات من نكص عن أمره من بني إسرائيل ومن آلافهم في التيه{[21071]} وأخرج أبناءهم منه ؛ أمر موسى عليه الصلاة والسلام بقسمة أرض الكنعانيين بين بنيهم{[21072]} بعد معرفة عددهم على منهاج ذكره{[21073]} ، ولم يذكر البنات ، وكان فيهم بنات {[21074]}لا أب{[21075]} لهن{[21076]} فسألن ميراث أبيهن ، فأنزل الله حكمهن ؛ قال في السفر الرابع من التوراة ما نصه : ولما كان بعد{[21077]} الموت{[21078]} الفاشي{[21079]} قال الرب لموسى ولليعازر{[21080]} بن هارون الحبر : احفظا عدد جماعة بني إسرائيل من ابن عشرين سنة إلى فوق ، كل من خرج للمحاربة من بين بني إسرائيل فكلما{[21081]} الجماعة في {[21082]}عربات مؤاب{[21083]} التي عند أردن أريحا ، وأخبراهم بقول الرب ، ثم أحصياهم ، فكان عددهم{[21084]} ستمائة ألف وسبعمائة وثلاثين رجلاً غير اللاويين{[21085]} سبط موسى فإنهم{[21086]} كانوا لحفظ قبة الزمان وخدمتها ، وكانوا ثلاث{[21087]} قبائل : أحدهم فغث{[21088]} فولد له عمران{[21089]} ، وكان اسم امرأة عمران{[21090]} حنة{[21091]} ابنة لوى ، ولدت له بأرض مصر هارون وموسى ومريم ، وكان عددهم في هذا الوقت ثلاثة وعشرين ألفاً ، كل ذكر منهم ابن شهر فما فوق ، ولم يكن في هؤلاء ممن أحصاه موسى وهارون حيث عدا{[21092]} بني إسرائيل في برية سيناء ، لأن الرب قال لهم : يقتلون{[21093]} في هذه المفازة ، ولا يبقى منهم رجل ما خلا {[21094]}كلاب بن يوفنا{[21095]} ويوشع{[21096]} بن نون ، ودنا بنات{[21097]} صلفحد{[21098]} من قبيلة منشى{[21099]} بن يوسف وقلن : أبونا توفي في البرية ولم يخلف ابناً ، أعطنا{[21100]} ميراثنا ، فرفع موسى أمرهن إلى الرب فقال الرب لموسى : الحق قلن{[21101]} {[21102]}أعطهن ميراثاً{[21103]} مع أعمامهن ليتبين ميراث أبيهن ، وقلن لبني إسرائيل : أي رجل مات ولم يخلف ابناً{[21104]} يعطى ميراثه ابنته ، وإن لم يكن له{[21105]} ابنة{[21106]} يعطى ميراثه إخوته ، ومن لم يكن له إخوة يعطى ميراثه أعمامه ومن لم يكن له أعمام يعطى{[21107]} ميراثه لمن كان قرابته من أهل عشيرته ، وتكون هذه سنة لبني إسرائيل في أحكامهم كما أمر الرب موسى ؛ وقال في السفر الثالث منها ما نصه سنة الخطايا{[21108]} التي{[21109]} إذا ارتكبها إنسان عوقب بالموت : وكلم الرب موسى وقال له : كلم بني إسرائيل ، وقل لهم : أنا الله ربكم ! لا تعملوا مثل أعمالكم أهل مصر التي سكنتموها ، ولا تعملوا مثل أعمال أهل كنعان التي أدخلكم إليها ولا تسيروا سنتهم{[21110]} ولكن اعملوا بأحكامي ، واحفظوا وصاياي ، وسيروا بها ، أنا الله ربكم ! احفظوا شرائعي وأحكامي .
لأن الذي يعمل بها يعيش ، أنا الرب وليس إله غيري ! ولا يجسرن{[21111]} الرجل منكم أنيكشف عورة{[21112]} قرابته ، أنا الرب وليس إله{[21113]} غيري ! ولا تكشفن{[21114]} عورة أبيك {[21115]}ولا عورة أمك ، لأنها أمك ، ولا تفضح امرأة ابنك ولا تكشف عورتها ، لان عورتها عورة ابنك{[21116]} ، ولا تفضح أختك من أبيك ومن أمك التي ولدت من أبيك ، أو أختك من أمك لا من أبيك ، لا تكشف{[21117]} عورتها ، لأن فضيحتها فضيحتك ، ولا تكشف{[21118]} عورة بنت امرأة أبيك التي ولدت من أبيك ، لأنها أختك ، ولا تكشف عورة عمتك ، لإنها أخت أبيك ، ولا تكشف عورة خالتك ، لأنها أخت أمك ، ولا تكشف عورة امرأة عمك ولا تدن من امرأته ، لأنها امرأة عمك ، ولا تكشف
عورة كنتك{[21119]} ، لأنها {[21120]}امرأة ابنك{[21121]} ، ولا تكشف عورة امرأة أخيك ، لأن فضيحتها فضيحة أخيك ، ولا تكشف عورة امرأة وبنتها ، أي لا تتزوج بهما ، ولا تكشف عورة بنت الابن ولا بنت البنت ، لأن فضيحتهما فضيحتك ، ولا تكشف عورتهما ، هن{[21122]} قرابتك وارتكابهن إثم ، ولا تتزوج أخت امرأتك في حياتها فتحزنها{[21123]} ، ولا تكشف عورتهما جميعاً في حياة امرأتك ، والمرأة إذا حاضت وطمثت{[21124]} لا تدن لتكشف عورتها ، ولا تسفح بامرأة صاحبك ولا تنجس{[21125]} ، ولا تنجس{[21126]} اسم{[21127]} إلهك ، أنا الله ربكم ! لا تضاجعن {[21128]}الذكر{[21129]} ، ولا ترتكب من الذكر ما ترتكب من المرأة ، لأنه فعل{[21130]} نجس ، ولا بهيمة ، ولا تلق زرعك فيها فتنجس بها ، والمرأة أيضاً لا تقوم بين يدي بهيمة تطأها ، لأنه فعل نجس ، لا تنجسوا منها بشيء ، فبهذه كلها تنجست{[21131]} الشعوب التي أهلكتها من بين أيديكم ، وتنجست أرضهم بفعلهم ، وعاقبتها بإثمها{[21132]} ، وتعطلت الأرض من سكانها لحال{[21133]} خطاياهم ؛ احفظوا عهودي وأحكامي ، ولا ترتكبوا شيئاً من هذه الخطايا لأن أهل البلاد التي ترثونها فعلوا هذه الأفاعيل كلها وتنجست الأرض بهم ، ولا تنجسوا الأرض لئلا تعطل منكم كما تعطلت من الشعوب{[21134]} التي كانوا يها قبلكم ، لأن كل من يفعل هذه الخطايا{[21135]} يهلك{[21136]} ؛ احفظوا شرائعي ولا ترتكبوا{[21137]} شيئاً من سير{[21138]} الخطايا التي فعلها من كان قبلكم ، ولا تنجسوا بها ، أنا الله ربكم ! .
ثم كلم الرب موسى وقال له : كلم جميع بني إسرائيل وقل لهم : تقدسوا ، لأني قدوس{[21139]} ، أنا الله ربكم ! يهاب كل امرىء منكم والديه ويكرمهما ، واحفظوا وصاياي ، لأني أنا الله ربكم ! لا تقبلوا إلى الشيطان ولا تتخذوا آلهة مسبوكة ، أنا الله ربكم ، وقال في السفر الثاني{[21140]} : ولا تصدقن الخبر الكاذب ، لا توالِ الخبيث لتكون له شاهد زور ، و{[21141]}لا تتبعن هوى الكبير فتنسى ، ولا تشايعن الكبراء{[21142]} الذين يحيفون في القضاء فتحيف{[21143]} معهم ، ولا تعن المسكين على الظلم ، لا تحيفن{[21144]} في فضاء المسكين وتباعد عن القول الكاذب . وقال في السفر الخامس : ودعا موسى بجميع بني إسرائيل وقال لهم : اسمعوا يا بني إسرائيل السنن والأحكام التي أتلوا عليكم لتعلموها وتحفظوها وتعملوا بها ، وتعلمون أن الله ربنا عاهدنا عهداً{[21145]} بأرض حوريب ، ولم يعاهد الله آباءنا{[21146]} بهذا العهد ، بل إنما عاهدنا{[21147]} ، نحن الذين ها هنا أحياناً سالمين ، وجهاً قبل وجه كلمنا الرب في النار عن الجبل ، فأنا كنت قائماً بين يدي الرب وبينكم لأظهر لكم ذلك الزمان أقول الله ربكم ، حيث فرقتم من النار ولم تصعدوا إلى الجبل ، وقال الرب : أنا الله ربكم الذي أخرجتكم{[21148]} من أرض مصر وخلصتكم من العبودية ! لا يكون لكم إله غيري ، ولا تتخذوا أصناماً ولا أشباهاً ، ولا تقسم باسم ربك كذباً ، لأن الربّ لا يزكي {[21149]}من يحلف باسمه{[21150]} كذباً ، احفظوا يوم السبت وطهروه{[21151]} - إلى أن قال ؛ لا تعملوا فيه عملاً ليستريح عبيدكم وإماؤكم معكم ، واذكروا أنكم كنتم عبيداً بأرض مصر فأخرجكم الله ربكم من هناك بيد{[21152]} منيعة وذراع عظيمة ، لذلك أمركم ربكم أن تحفظوا يوم السبت ، فيكرم كل امرىء منكم والديه كما أمركم{[21153]} الله ربكم لتطول {[21154]}أعماركم ، وينعم عليكم في الأرض التي يعطيكم ، لا تقتلوا ، لا تزنوا ، لا تسرقوا ، لا يشتهين الرجل منكم امرأة صاحبه - إلى أن قال : ولا شيئاً{[21155]} مما لصاحبك - هذه الآيات التي أمر بها الرب بني إسرائيل ، وكلمهم بها في الجبل من النار بالسحاب والضباب بصوت عظيم لا يوصف ولا يحد{[21156]} ، وهي التي كتبها على لوحي الحجارة ودفعها إلى موسى النبي - فما سمعتم صوتاً من الظلمة ورأيتم ناراً تشتعل{[21157]} في الجبل تقدم إليّ رؤساؤكم{[21158]} ، وقالوا : قد أرانا{[21159]} الله ربنا مجده وكرامته وعظمته ، اليوم رأينا أن كلم الله الناس وعاشوا ، إن عدنا نسمع صوت الله ربنا متنا ، تقدم أنت واسمع ما يقول الله ربنا وقص علينا فسمع الرب صوت كلامكم حين كلمتموني{[21160]} وقال لي{[21161]} الرب : قد سمعت صوت الشعب وما قالوا لك{[21162]} ، نعم ما تكلموا به و{[21163]}يا ليت تكون لهم قلوب هكذا{[21164]} ، فتكون تسمع وتطيع وتتقوى ، ويفزعون{[21165]} من قولي ، ويحفظون جميع وصاياي ، كلها احفظوا ، واعملوا بما{[21166]} أمركم الله ربكم ولا تحيدوا يمنة ولا يسرة ، بل سيروا في كل الطريق الذي{[21167]} أمركم ربكم لتعيشوا ، وينعم عليكم ، وتطول مدتكم في الأرض التي ترثون - هذه السنن والوصايا والأحكام التي أمرني{[21168]} الله ربكم أن أعلمكم لتعلموا وتتقوا الله ربكم أنتم وبنوكم كل {[21169]}أيام حياتكم{[21170]} فتطول أعماركم ، اسمعوا يا بني إسرائيل ! الله ربنا واحد ، أحبوا الله ربكم{[21171]} في كل قلوبكم ، ولتكن هذه الآيات التي أمركم في قلوبكم أبداً ، وعلموها بنيكم ، وتكلموا{[21172]} بها إذا حضرتم في منازلكم ، وإذا سافرتم ، وإذا رقدتم ، وإذا قمتم ، و{[21173]}شدوها علامة{[21174]} على أيديكم ، ويكون ميسماً بين أعينكم ، واكتبوها على قوائم{[21175]} بيوتكم وعلى أبوابكم ، ولا تنسوا الله ربكم ، وإياه فاعبدوا و{[21176]}باسمه فأقسموا{[21177]} ، ولا تتبعوا الآلهة الأخرى التي تعبدها{[21178]} الشعوب التي حولكم ، لأن الله ربكم الحالّ فيكم هو إله غيور فاتقوه ، لا يشتد{[21179]} غضبه عليكم ، ويهلككم عن حديد الأرض ، ولا تجربوا الله ربكم كما جربتموه بالبلايا ، ولكن احفظوا وصية الله ربكم وشهادته{[21180]} وسنته التي أمركم بها ، فاعملوا الحسنات ، وأنصفوا واعدلوا لينعم عليكم ، وتدخلوا وترثوا{[21181]} الأرض المخصبة التي أقسم الله لآبائكم ، ويكسر{[21182]} جميع أعدائكم ويهزمهم قدامكم{[21183]} كما قال الرب ، فإذا سألكم بنوكم غداً وقالوا : ما الشهادة والسنة والحكومة التي أمركم الله بها ؟ قولوا لبنيكم : إنا كنا عبيداً لفرعون بأرض مصر ، وأخرجنا الرب من أرض مصر بيد منيعة ، وأنزل بأهل مصر بلاء شديداً ، وفعل ذلك بفرعون وجميع أهل بيته تجاهنا{[21184]} ، وأخرجنا الرب من هناك ليدخلنا ويعطينا الأرض التي أقسم لآبائنا ، وأمرنا الرب أن نعمل هذه السنن كلها ، وأن نتقي الله ربنا لينعم كل أيامنا{[21185]} ، ويحيينا بالخير{[21186]} والنعم ، ويكون {[21187]}ربنا بنا براً{[21188]} إذا حفظنا هذه الوصية كلها ، وعلمناها{[21189]} أمام الله ربنا كما أمرنا .
وقال في السفر الخامس{[21190]} : ولا تكف{[21191]} يدك عن العطاء والصدقة على{[21192]} أخيك المسكين ، ولكن يصدق بعضكم على بعض ، ويعطي بعضكم بعضاً ، ولا يضيق قلبك ، ولا تحزن{[21193]} إذا صدقت على أخيك ، لأنك إذا فعلت هذا القول وأوسعت على أخيك يبارك الله{[21194]} لك{[21195]} في جميع أعمالك ، وفي كل ما تمد يدك إليه ، من أجل أن الأرض لا تعدم{[21196]} المساكين ، فلذلك آمرك - والعزم{[21197]} إليك - أن تمد يدك{[21198]} إلى أخيك المسكين ، وتصدق على الفقير في الأرض . وقال فيه : أنصفوا بين إخوتكم وأحكموا بالحق ولا تحيفوا في القضاء ، واسمعوا من الصغير كما تسمعون من الكبير ، ولا تهابوا الرجل ولو عظم شأنه وكثرت أمواله ، لأن القضاء لله .
وقال فيه : صيروا لكم قضاة{[21199]} وكتاباً في جميع قراكم ، وتقضون للشعب قضاء العدل والبر{[21200]} ، ولا تحيفن{[21201]} في القضاء ، ولا تحابوا ولا ترتشوا ، لأن الرشوة تعمي{[21202]} أعين الحكام في القضاء ، ولكن أقضي بالحق لتعيشوا وتبقوا{[21203]} وترثوا الأرض التي يعطيكم الله ربكم - فقد علم من هذا أصول غالب ما ذكره تعالى في هذه السورة مع ما تقدم من أشكاله في البقرة عند قوله تعالى :
{ وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله{[21204]} }[ البقرة : 83 ] وغيرها من الآيات ، وفي آل عمران أيضاً ، وأما حد الزاني وأمر القتل والجراح فسيذكر إن شاء الله تعالى في المائدة .