فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمۡ وَيَهۡدِيَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَيَتُوبَ عَلَيۡكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (26)

قوله : { يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ } اللام هنا هي لام كي التي تعاقب : أن . قال الفراء : العرب تعاقب بين لام كي وأن ، فتأتي باللام التي على معنى كي في موضع أن في أردت ، وأمرت ، فيقولون أردت أن تفعل ، وأردت لتفعل ، ومنه : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بأفواههم } [ الصف : 8 ] { وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ } [ الشورى : 15 ] { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبّ العالمين } [ الأنعام : 71 ] ومنه :

أريد لأنسى ذكرها فكأنما *** تمثل لي ليلى بكل سبيل

وحكى الزجاج هذا القول وقال : لو كانت اللام بمعنى أن لدخلت عليها لام أخرى ، كما تقول : جئت كي تكرمني ، ثم تقول : جئت لكي تكرمني ، وأنشد :

أردت لكيما يعلم الناس أنها *** سراويل قيس والوفود شهود

وقيل اللام زائدة لتأكيد معنى الاستقبال ، أو لتأكيد إرادة التبيين ، ومفعول يبين محذوف ، أي : ليبين لكم ما خفي عليكم من الخير ، وقيل : مفعول يريد محذوف ، أي : يريد الله هذا ليبين لكم ، وبه قال البصريون ، وهو مرويّ ، عن سيبويه . وقيل : اللام بنفسها ناصبة للفعل من غير إضمار أن ، وهي وما بعدها مفعول للفعل المتقدّم ، وهو مثل قول الفراء السابق . وقال بعض البصريين : إن قوله : { يُرِيدُ } مؤول بالمصدر مرفوع بالابتداء مثل : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه . ومعنى الآية : يريد الله ليبين لكم مصالح دينكم ، وما يحلّ لكم ، وما يحرم عليكم : { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذين مِن قَبْلِكُمْ } أي : طرقهم ، وهم الأنبياء ، وأتباعهم لتقتدوا بهم : { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي : ويريد أن يتوب عليكم فتوبوا إليه ، وتلافوا ما فرط منكم بالتوبة يغفر لكم ذنوبكم .

/خ28