الآية 26 وقوله تعال : { يريد الله ليبين لكم } يحتمل قوله : { يريد الله } أن يبين لكم ما تؤتون وما تتقون وما لكم وما عليكم ويبين{[5345]} ما به صلاحكم ومعاشكم في أمر دينكم لكن حقيقة المراد بالآية إما أن تكون أراد جميع ما ذكر او معنى خاصا مما احتمله الكلام . وليس لنا القطع على ما أراد به .
وقوله تعالى : { ويهديكم سنن الذين من قبلكم } يحتمل وجوها : أي يبين لكم سبيل الذين من قبلكم أي سبيل الأنبياء والرسل عليهم السلام . ( وهم أهل ) {[5346]} الهدى والطاعة منهم ، ليعملوا ما عملوا هم وينتهوا ( عما انتهوا ) وكذلك في حرف ابن مسعود رضي الله عنه { سنن الذين من قبلكم } أي أمر الرسالة والنبوة ( ليهديكم محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ليس ببديع ولا حادث والنبوة ) {[5347]} ليس ببديع ، قد كان في الأمم السالفة رسل وأنبياء عليه السلام فأمر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ليس{[5348]} ببديع ولا حادث كقوله تعالى : { قل ما كنت بدعا من الرسل } ( الأحقاف 9 ) .
ويحتمل قوله تعالى : { ويهديكم سنن الذين من قبلكم } أي يبين لكم أن كيف ( كانت سنته ) {[5349]} في الذين خلوا من قبل في إهلاك من عاند الله ورسوله واستئصال من استأصلهم بتكذيب الرسل والأنبياء عليهم السلام والخلاف لهم كقوله تعالى : { سنة الله في الذين خلوا من قبل } ( الأحزاب 38 ) وقوله تعالى : { فقد مضت سنت الأولين } ( الأنفال 38 ) وقيل : { سنن الذين من قبلكم } شرائع { الذين من قبلكم } من المحرمات والمحللات من اهل التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب .
وقوله تعالى : { ويتوب عليكم } يريد{[5350]} أن يتوب عليكم . وفي قوله تعالى : أيضا { سنن الذين من قبلكم } يحتمل يهديكم تلك السنن ( سنن ) {[5351]} الذين من قبلكم يحتمل يهديكم تلك السنن التي{[5352]} بينها لكم أنها كانت ماذا ؟ ويحتمل { سنن الذين من قبلكم } بمعنى جعل تلك السنن الهداية لكم . ثم قوله عز وجل : { من قبلكم } يحتمل سنة وسيرة الذين{[5353]} من قبلكم لتعبروا بها . ويحتمل التي لزموها وسيرتهم التي سلكوها بما لها من العواقب لتعظوا بها ، والله أعلم بحقيقة ما انصرف غليه مراد الآية . لكن ( في ما ) {[5354]} احتمله ههنا{[5355]} موعظة تبينا فيه . وعلى ذلك معنى قوله عز وجل : { يريد الله ليبين لكم } يحتمل كل ما به نفع او كل ( ما إلينا ) {[5356]} حاجة ، أو كل كما علينا القيام به ، او يرجع ذلك إلى الخاص مما يريد بالآية الإخبار عنه .
وإن الذي علينا النظر في ما يفصل البيان وفي ما أنبانا عن سنة ( من سنن من ){[5357]} تقدمنا مما نرجو به الهداية والشفاء للقيام بما علينا في ذلك من الحق دون الشهادة عليه ، جل ثناؤه بالمراد فيها في مخرج الكناية دون التصريح من الموعود{[5358]} .
وقوله تعالى : { ليبين لكم } ( أن ما ) {[5359]} بين في مفهوم الخطاب وما جرى به الذكر في هذه الآية واحدة . إذ لو كان ( ذكر ما ) {[5360]} يسبق إلى الفهم غير الذي سبق في هذا ( ما علم ) {[5361]} ما حق على العباد من التفاهم والله أعلم . ثم كان معلوما في ما أراد بقوله : { يريد الله ليبين لكم ويهديكم } انه لو لم يبين ما أراد بهذا الوعد ولم يهد كان يلحقه الخلف في الوعد .
فعلى ذلك في ما{[5362]} قال : يريد الله { أن يتوب عليكم } و { يريد الله أن يخفف عنكم } ( النساء 27-28 ) ( لو لم يكن يخفف ) {[5363]} ويتوب على من أريد بقوله : { يتوب } و { يخفف عنكم } للحقه{[5364]} الخلف في الوعد .
ثم يخالف وصف كافر في حال أنه ممن تاب عليه ثبت أنه لم يدخل في قوله عز وجل : { يريد أن يتوب عليكم } ( النساء 27 ) فإذا ثبت أنه لم يدخل فيه أمران :
أحدهما : أن الإدارة ليست بأمر إذ قد أمر الكافر بالتوبة .
والثاني : أن كل من لم يتب فهو ممن لم يرد الله أن يتوب عليه ، وهو قوله تعالى : { أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم } ( المائدة 41 ) .
على أن الله تعالى قال في المؤمنين : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة } ( الأنفال 67 ) وال في الكفار : { يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة } ( آل عمران 176 ) على التفريق : من الذي في علمه أن يختم مؤمنا ومن في علمه أن يختم كافرا على إدارة الهداية مع إدارة ألا يجعل له الحظ في الآخرة على الموعود خلف وإدارة منه لا تدبير له في فعله ، ولا يتصل فيه به فعله في متعارف الأمر وتشه ، ولا يجوز أن يضاف إلى الله الإدارة وهي التي يوصف بها من فعله الاختيار . ثبت أن الله{[5365]} تعالى في فعل العباد فعلا بحيث فعله يوصف بالإدارة وفي ذلك وجوب القول بخلق أفعال العباد ، أو أن يكون المراد من تلك الإدارة ، إذ لم يحتمل التمني ولا الأمر ، ان تكون الإدارة التي تنفي القهر والغلبة ، فيلزم إذا ثبت نفي القهر الوصف بالإدارة ، ويثبت أنه مريد لكل فعل نفي عنه القهر في وجوده . وبالله التوفيق .
وقوله تعالى : { والله عليم } بما يؤتى ويتقي { عليم } بما به معاشكم وصلاحكم وما به فسادكم وفساد معاشكم ونحوه : { حكيم } وضع كل شيء موضعه ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.