قوله تعالى : { إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ } : فيه أوجه ، أحدُها : - وهو الظاهرُ- أنها واوُ الحالِ ، ثم لك اعتباران ، أحدُهما : أن تجعل الحالَ وحدَها الجارَّ ، ويرتفع " كتابٌ " به فاعلاً . والثاني : أن تجعلَ الجارَّ خبراً مقدماً ، و " كتاب " مبتدأ والجملةُ حالٌ ، وهذه الحالُ لازمةٌ .
الثاني : أنَّ الواوَ مزيدةٌ ، وأيَّد هذا قولَه بقراءة ابن أبي عبلة " إلا لها " بإسقاطِها . والزيادةُ ليسَتْ بالسهلةِ .
الثالث : أنَّ الواوَ داخِلةٌ على الجملةِ الواقعة صفةً تأكيداً ، قال الزمخشري : " /والجملةُ واقعةٌ صفةً لقرية ، والقياسُ أن لا تتوسطَ هذه الواوُ بينهما كما في قوله : { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } [ الشعراء : 208 ] وإنما توسَّطَتْ لتأكيدِ لصوق الصفة بالموصوف ، كما تقول : " وجاءني زيد عليه ثوبُه ، وجاءني وعليه ثوبُه " . وقد تَبِعَ الزمخشريُّ في ذلك أبا البقاء ، وقد سبق له ذلك أيضاً في البقرة عند قوله تعالى : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ الآية : 216 ] .
قال الشيخ : " ولا نَعْلَمُ أحداً قاله من النحويين ، وفي محفوظي أنَّ ابنَ جني سَبَقهما إلى ذلك " . ثم قال الشيخ : " وهو مبنيٌّ على جوازِ أنَّ ما بعد " إلا " يكون صفةً ، وقد مَنَعُوا ذلك . قال الأخفش : " لا يُفْصَل بين الصفةِ والموصوفِ ب " إلا " . ثم قال : وأمَّا نحوُ : " ما جاءني رجلٌ إلا راكبٌ " على تقدير : إلا رجلٌ راكب ، وفيه قُبْحٌ لِجَعْلِكَ الصفةَ كالاسم " . وقال أبو عليّ : " تقول : ما مررتُ بأحدٍ إلا قائماً ، " قائماً " حال ، ولا تقول : إلا قائمٍ ، لأنَّ " إلاَّ " لا تعترضُ بين الصفةِ والموصوفِ " . وقال ابنُ مالك -وقد ذكر ما ذهب إليه الزمخشريُّ في قوله " ما مررت بأحدٍ إلا زيدٌ خيرٌ منه " : إنَّ الجملة بعد " إلا " صفةٌ ل " أحد " : " إنه مذهبٌ لا يُعرف لبصريٍّ ولا كوفيٍّ ، فلا يُلتفتُ إليه ، وأَبْطَلَ قولَه : إن الواوَ توسَّطت لتأكيدِ لُصوقِ الصفةِ بالموصوف .
قلت : قولُ الزمخشريُّ قويٌّ من حيث القياسُ ، فإنَّ الصفةَ كالحال في المعنى ، وإن كان بينهما فرقٌ مِنْ بعضِ الوجوهِ ، فكما أن الواوُ تدخلُ على الجملةِ الواقعةِ حالاً كذلك تَدْخلُ عليها واقعةً صفةً . ويقوِّيه أيضاً ما نظَّره به من الآيةِ الأخرى في قوله { إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } ويُقَوِّيه أيضاً قراءةُ ابن أبي عبلة المتقدمةُ .
وقال منذر بن سعيد : " هذه الواوُ هي التي تعطي أنَّ الحالةَ التي بعدها في اللفظ هي في الزمنِ قبل الحالةِ التي قبل الواوِ ، ومنه قولُه تعالى : { حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 73 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.