الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرۡسِلَ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلۡأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيۡنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبۡصِرَةٗ فَظَلَمُواْ بِهَاۚ وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا} (59)

قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ } : " أنْ " الأولى وما في حَيِّزها في محلِّ نصبٍ أو جرٍ على اختلاف القولين ؛ لأنها على حَذْفِ الجارِّ ، أي : مِنْ أَنْ نُرسل ، والثانية وما في حَيِّزها في محلِّ رفعٍ بالفاعلية ، أي : وما مَنَعَنا مِنْ إرسال الرسلِ بالآياتِ إلا تكذيبُ الأوَّلين ، أي : لو أَرْسلنا الآياتِ المقترحةَ لقريش لأُهْلِكوا عند تذكيبِهم كعادةِ مَنْ قبلَهم ، لكنْ عَلِمَ الله أنه يُؤْمِنُ بعضُهم ، ويكذِّبُ بعضُهم مَنْ يومن ، فلذلك لم يُرْسِلِ الآياتِ لهذه المصلحةِ .

وقَدَّر أبو البقاء مضافاً قبل الفاعلِ فقال : " تقديرُه : إلا إهلاكُ التكذيب ، كأنه يعني أنَّ التكذيبَ نفسَه لم يمنعْ من ذلك ، وإنما مَنَعَ منه ما يترتَّبُ على التكذيبِ وهو الإِهلاك ، ولا حاجةَ إلى ذلك لاستقلالِ المعنى بدونه .

قوله : " مُبْصِرَة " حالٌ ، وزيدُ بن علي يرفعُها على إضمارِ مبتدأ ، اي : هي ، وهو إسنادٌ مجازيٌّ ، إذ المرادُ إبصارُ أهلِها ، ولكنها لمَّا كانت سبباً في الإِبصار نُسِب إليها . وقرأ قومٌ بفتحٍ الصاد ، مفعولٌ على الإِسناد الحقيقي . وقتادة بفتح الميم والصاد ، أي : مَحَلُّ إبصارٍ كقوله عليه السلام : " الولدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَة " وكقوله :

. . . . . . . . . *** والكفرُ مَخْبَثَةٌ لنفسِ المُنْعِمِ

أجرى هذه الأشياءَ مُجْرى الأمكنةِ نحو : أرضٌ مَسْبَعَة ومَذْأبَة .

قوله : { إِلاَّ تَخْوِيفاً } يجوز أَنْ يكونَ مفعولاً له ، وأن يكونَ مصدراً في موضع الحال : إمَّا من الفاعل ، أي : مُخَوِّفين أو من المفعولِ ، أي : مُخَوِّفاً بها .