الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِن كَادُواْ لَيَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِيُخۡرِجُوكَ مِنۡهَاۖ وَإِذٗا لَّا يَلۡبَثُونَ خِلَٰفَكَ إِلَّا قَلِيلٗا} (76)

قوله تعالى : { وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ } : قرأ العامَّةُ برفع الفعل بعد " إذَنْ " ثابتَ النون ، وهي مرسومةٌ في مصاحف العامَّة . ورفعُهُ وعدمُ إعمالِ " إذن " فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أنها توسَّطَتْ بين المعطوفِ والمعطوفِ عليه . قال الزمخشري : " فإن قلت " ما وجهُ القراءتين ؟ قلت : أمَّا الشائعةُ -يعني برفعِ الفعلِ - فقد عُطِف فيها الفعلُ على الفعلِ ، وهو مرفوعٌ لوقوعِه خبرَ كاد ، وخبرُ " كاد " واقعٌ موقعَ الاسم " . قلت : فيكون " لا يَلْبِثُون " عطفاً على قولِه " لِيَسْتَفِزُّونك " .

الثاني : أنها متوسطةٌ بين قسمٍ محذوفٍ وجوابِه ، فأُلْغِيَتْ لذلك ، والتقدير : ووالله إذن لا يلبثون .

الثالث : أنها متوسطةٌ بين مبتدأ محذوفٍ وخبرِه ، فأُلْغِيَتْ لذلك ، والتقدير : وهم إذن لا يلبثون .

وقرأ اُبَيٌّ بحذفِ النون ، فَنَصْبُه بإذن عند الجمهور ، وب " أَنْ " مضمرةً بعدها من غيرِهم ، وفي مصحف عبد الله " لا يَلْبَثُوا " بحذفِها . ووجهُ النصبِ أنه لم يُجعل الفعلُ معطوفاً على ما تقدَّم ولا جواباً ولا خبراً . قال الزمخشري : " وأمَّا قراءةُ اُبَيّ ففيها الجملةُ برأسها التي هي : إذاً لا يَلْبثوا ، عَطَفَ على جملة قوله { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ } .

وقرأ عطاء { لاَّ يَلَبَثُونَ } بضمِّ الياء وفتحِ اللام والباء ، مشددةً مبنياً للمفعول ، مِنْ لَبَّثَه بالتشديد . وقرأها يعقوب كذلك إلا أنه كسرَ الباءَ ، جَعَلَه مبنياً للفاعل .

قوله : " خِلافَك " قرأ الأخَوان وابنُ عامر وحفصٌ : " خِلافَك " بكسر الخاء وألفٍ بعد اللام ، والباقون بفتح الخاء وسكونِ اللام . والقراءتان بمعنى واحدٍ . وأنشدوا في ذلك :

عَفَتِ الديارُ خِلافَهم فكأنما *** بَسَطَ الشَّواطِبُ بينهنَّ حََصِيْراً

وقال تعالى : { خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ } [ التوبة : 81 ] والمعنى : بعد خروجك . وكثُر إضافةُ قبل وبعد ونحوِهما إلى أسماءِ الأعيان على حَذْفِ مضافٍ ، فيُقَدَّر من قولك : جاء زيدٌ قبل عمروٍ : أي : قبل مجيئِه .

قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } يجوز أن تكونَ صفةً لمصدرٍ أو لزمانٍ محذوف ، أي : لُبْثاً قليلاً ، أو إلا زماناً قليلاً .