الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (272)

قوله تعالى : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } : " هُداهم " : اسم ليس وخبرُها الجارُّ والمجرورُ . و " الهُدَى " مصدرٌ مضافٌ إلى المفعولِ ، أي : ليس عليك أن تهديَهم ، ويجوز أن يكونَ مضافاً لفاعلِهِ ، أي : ليس عليك أن يَهْتدَوا ، يعني : ليس عليك أن تُلْجِئَهم إلى الاهتداء .

وفيه طباقٌ معنويٌّ ، إذ التقدير : هدى للضالين . وفي قوله : { وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي } مع قوله " هداهم " جناسٌ مغاير لأنَّ إحدى الكلمتين اسمٌ والأخرى فعلٌ . ومفعولُ " يشاءُ " محذوفٌ ، أي : هدايَتَه .

وقوله : { فَلأَنْفُسِكُمْ } خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي : فهو لأنفسكم . وقوله " إلاَّ ابتغاءَ " فيه وجهان ، أحدُهما : أنه مفعولٌ من أجله أي : لأجل ابتغاءِ وجهِ اللَّهِ ، والشروطُ هنا موجودةٌ . والثاني : أنه مصدرٌ في محل الحالِ ، أي : إلاَّ مبتغين ، وهو في الحالَيْنِ استثناءٌ مفرَّغٌ ، والمعنى : وما تُنْفِقُونَ نفقةً معتدّاً بقَبولِهَا إلاَّ ابتغاءَ وجهِ [ اللَّهِ ] ، أو يكونُ الخاطَبُون بهذا ناساً مخصوصين ، وهم الصحابةُ ، لأنهم كانوا كذلك ، وإنما احتجنا إلى هذين التأويلين لأنَّ كثيراً ينفق لابتغاءِ غير وجهِ الله .

وقوله : { يُوَفَّ } جوابُ الشرط/ ، وقد تقدَّم أنه يقال : " وَفَّى " بالتشديدِ و " وفَى " بالتخفيفِ " و " أَوْفَى " رباعياً .

وقوله : { وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من الضميرِ في " إليكم " ، والعاملُ فيها " يُوَفَّ " ، وهي تشبهُ الحالَ المؤكِّدَةَ لأنَّ معناها مفهومٌ من قولِهِ : " يوفَّ إليكم " لأنهم إذا وُفُّوا حقوقَهم لم يُظْلَموا . ويجوز أن تكونَ مستأنفةً لا محلَّ لها من الإِعراب ، أخبرَهم فيها أنه لا يقعُ عليهم ظلمٌ فيندرجُ فيه توفيةُ أجورِهم بسببِ إنفاقهِم في طاعةِ اللَّهِ تعالى اندراجاً أوَّليَّاً .