الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَا نُرِيهِم مِّنۡ ءَايَةٍ إِلَّا هِيَ أَكۡبَرُ مِنۡ أُخۡتِهَاۖ وَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (48)

قوله : { إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ } : جملةٌ واقعةٌ صفةً لقولِه : " مِنْ آية " فيُحْكَمُ على موضِعها بالجَرِّ اعتباراً باللفظِ ، وبالنصبِ اعتباراً بالمحلِّ ، وفي معنى قولِه : { أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } أوجهٌ ، أحدها : - قاله ابنُ عطية - وهو أنهم يَسْتَعْظِمون الآيةَ التي تأتي ، لجِدَّةِ أَمْرِها وحُدوثِه ؛ لأنهم أَنِسُوا بتلك الآيةِ السابقةِ فيَعْظُم أَمْرُ الثانيةِ ويَكْبرُ ، وهذا كما قال :

3999 على أنَّها تَعْفُو الكُلُوم ، وإنما *** نُوَكَّلُ بالأَدْنى وإنْ جَلَّ ما يَمْضي

الثاني : ما ذكرَه بعضُهم : مِنْ أنَّ المعنى : إلاَّ هي أكبرُ من أختها السابقةِ ، فحذَفَ الصفةَ للعِلْمِ بها . الثالث : قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : هو كلامٌ متناقضٌ ؛ لأنَّ معناه : ما مِنْ آيةٍ من التسعِ إلاَّ وهي أكبرُ مِنْ كلِّ واحدةٍ منها ، فتكونُ كلُّ واحدةٍ منها فاضلةً ومفضولةً في حالةٍ واحدة . قلت : الغرضُ بهذا الكلامِ وَصْفُهُنَّ بالكبرِ لا يَكَدْنَ يتفاوَتْنَ فيه ، وكذلك العادةُ في الأشياء التي تتقارَبُ في الفضلِ التقاربَ اليسيرَ ، تختلفُ آراءُ الناس في تفضيلِها ، فبعضُهم يفضِّل هذا ، وبعضُهم يفضِّل هذا ، وربما اختلفَتْ آراءُ الواحدِ فيها ، كقول الحماسيِّ :

4000 مَنْ تَلْقَ منهم تَقُلْ لاقَيْتُ سَيِّدَهُمْ *** مثلَ النجومِ التي يَهْدِي بها السَّاري

وقالت الأنمارية في الجُمْلة من أبنائها : ثَكِلْتُهُمْ إنْ كنتُ أعلمُ أيُّهم أفضلُ ، هم كالحَلْقَةِ المُفْرَغَةِ لا يُدْرى أين طرفاها " انتهى كلامُه . وأولُه فظيعٌ جداً كأن العباراتِ ضاقَتْ عليه حتى قال ما قال ، وإنْ كان جوابُه حَسَناً فسؤالُه فظيعٌ . وقد تقدَّم الخلافُ في { يأَيُّهَا السَّاحِرُ } في النور .