الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

قوله : { مُّصَدِّقاً } : حالٌ وكذلك " مُبَشِّراً " والعاملُ " رسول " لأنَّه بمعنى المُرْسَل . قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ بِمَ انتصَبَ مُصَدِّقاً مُبَشِّراً ، أبما في الرسول مِنْ معنى الإِرسال أم بإليكم ؟ قلت : بمعنى الإِرسال ؛ لأنَّ " إليكم " صلةٌ للرسول ، فلا يجوزُ أن تعملَ شيئاً ، لأنَّ حروفَ الجرِّ لا تعملُ بأنفسِها ، ولكنْ بما فيها مِنْ معنى الفعل ، فإذا وقعَتْ صِلاتٍ لم تتضمَّنْ معنى فعلٍ فمِنْ أين تعملُ " انتهى . يعني بقوله : " صلات " أنها متعلقةٌ برسول صلةً له ، أي : متصلٌ معناها به ، لا الصلةُ الصناعيةُ . و " يأتي مِنْ بعدي " و " اسمُه أحمدُ " جملتان في موضعِ جرٍّ نعتاً لرسول أو " اسمُه أحمدُ " في موضعِ نصبٍ على الحالِ مِنْ فاعل " يَأْتي " أو تكونُ الأولى نعتاً ، والثانيةُ حالاً . وكونُهما حالَيْن ضعْيفٌ لإِتيانِهما من النكرة ، وإنْ كان سيبويه يُجَوِّزه . و " أحمدُ " يَحْتمل النقلَ من الفعل المضارع ، أو من أفعلِ التفضيل ، والظاهرُ الثاني ، وعلى كلا الوجهَين فمنعُه من الصَرفِ للعلميةِ والوزنِ الغالبِ ، إلاَّ أنه على الأول يمتنعُ معرفةً وينصرف نكرةً ، وعلى الثاني يمتنع تعريفاً وتنكيراً ، لأنه تَخْلُفُ العلميةَ الصفةُ . وإذا نُكِّر بعد كونِه عَلَماً جَرى فيه خلافُ سيبويه والأخفشِ ، وهي مسألةٌ مشهورة بين النحاة . وأنشد حسان رضي الله عنه يمدح النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصَرَفَه :

صلَّى الإِلهُ ومَنْ يَحُفُّ بعرشِه *** والطيبونَ على المباركِ أحمدِ

" أحمد " بدل أو بيان للمبارك .

قوله : { هَذَا سِحْرٌ } قد تقدَّم خلافُ القراء فيها في المائدة .

وقال الشيخ هنا : " وقرأ الجمهور " سِحْرٌ " وعبد الله وطلحة والأعمش وابن وثاب " ساحر " ، وترك ذِكْرَ الأخوَيْن .