محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٞۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَأۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (34)

ثم أوعد تعالى أهل مكة بالعذاب النازل في أجل معلوم عنده سبحانه ، كما نزل بالأمم ، فقال تعالى :

[ 34 ] { ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( 34 ) } .

{ ولكل أمة أجل } أي : مدة أو وقت لنزول العذاب بهم { فإذا جاء أجلهم } أي : ميقاتهم المقدر لهم { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } أي : لا يتركون بعد الأجل شيئا قليلا من الزمان ، ولا يهلكون قبله كذلك . والساعة مثل في غاية القلة من الزمان .

لطائف

1- وقع هذا التركيب في موضع من التنزيل ، وفيه بحث مشهور : وهو أنه لما كان الظاهر عطف { لا يستقدمون } على { لا يستأخرون } كما أعربه الحوفي وغيره ، أورد عليه أنه فاسد ، لأن ( إذا ) إنما يترتب عليها الأمور المستقبلة لا الماضية ، والاستقدام حينئذ بالنسبة إلى محل الأجل متقدم عليه ، فكيف يترتب عليه ما تقدمه ؟ ويصير باب الإخبار / بالضروري الذي لا فائدة فيه ، كقولك : إذا قمت فيما يأتي ، لم يتقدم قيامك فيما مضى . وأجيب بأن المراد بالمجيء الدنوّ ، بحيث يمكن التقدم في الجملة ، كمجيء اليوم الذي ضرب لهلاكهم ساعة فيه . وقيل : إن جملة { لا يستقدمون } مستأنفة . وقيل : إنها معطوفة على الشرط وجوابه ، أو على القيد والمقيد . أو أن مجموع ( لا يستأخرون ولا يستقدمون ) كناية عن أنهم لا يستطيعون تغييره . والتحقيق أنه عطف على { يستأخرون } لكن لا لبيان انتفاء التقدم ، مع إمكانه في نفسه كالتأخر ، كما يتوهم ، بل للمبالغة في انتفاء الأخر . يعني أن التأخر مساو للتقدم في الاستحالة ، ولذا نظم معه في سلك ، كما في قوله سبحانه{[3924]} : { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن . ولا الذين يموتون وهم كفار } فإن من مات كافرا مع ظهور أن لا توبة له رأسا ، قد نظم في عدم القبول ، في سلك من سوفها إلى حضور الموت . إذانا بتساوي وجود التوبة حينئذ وعدمها بالمرة .

2- تقديم بيان انتفاء الاستئخار ، لما أن المقصود بالذات بيان عدم خلاصهم من العذاب وأما ( ما ) في قوله تعالى : { ما تسبق من أمة أجلها وما يستئخرون }{[3925]} من سبق ( السبق ) في الذكر ؛ فلما أن المراد هناك بيان سر تأخير إهلاكهم مع استحقاقهم له ، حسبما ينبئ عنه قوله تعالى : { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ، فسوف يعلمون }{[3926]} . فالأهم هناك بيان انتفاء السبق .

3- صيغة الاستفعال للإشعار بعجزهم وحرمانهم عن ذلك ، مع طلبهم له ، أفاده أبو السعود .


[3924]:- [4/ النساء/ 18] {... أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما (18)}.
[3925]:- [15/ الحجر/ 5]. و[23/ المؤمنون/ 43].
[3926]:- [15/ الحجر/ 3].