إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٞۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَأۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (34)

{ وَلِكُلّ أُمَّةٍ } من الأمم المُهلَكة { أَجَلٌ } حدٌّ معينٌ من الزمان مضروبٌ لِمَهلِكهم { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ } إن جعل الضميرُ للأمم المدلولِ عليها بكل أمة فإظهارُ الأجل مضافاً إليه لإفادة المعنى المقصودِ الذي هو بلوغُ كلِّ أمةٍ أجلَها الخاصَّ بها ومجيئِه إياها بواسطة اكتسابِ الأجل بالإضافة عموماً يفيده معنى الجمعية كأنه قيل : إذا جاءهم آجالُهم بأن يجيء كلَّ واحدة من تلك الأمم أجلُها الخاصُّ بها ، وإن جُعل لكل أمةٍ خاصةً كما هو الظاهرُ فالإظهارُ في موقع الإضمارِ لزيادة التقريرِ ، والإضافةُ إلى الضمير لإفادة أكملِ التمييزِ أي إذا جاءها أجلُها الخاصُّ بها . { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ } عن ذلك الأجلِ { سَاعَةً } أي شيئاً قليلاً من الزمان فإنها مَثلٌ في غاية القلة منه لا يتأخرون أصلاً ، وصيغةُ الاستفعال للإشعار بعجزهم وحِرمانهم عن ذلك مع طلبهم له { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } أي ولا يتقدمون عليه وهو عطفٌ على يستأخرون لكن لا لبيان انتفاءِ التقدمِ مع إمكانه في نفسه كالتأخر ، بل للمبالغة في انتفاء التأخّرِ بنظمه في سلك المستحيلِ عقلاً كما في قوله سبحانه : { وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنّي تُبْتُ الان وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّار } [ النساء ، الآية 18 ] فإن من مات كافراً مع ظهور أن لا توبةَ له رأساً قد نُظم في عدم القبولِ في سلك مَنْ سوّفها إلى حضور الموتِ إيذاناً بتساوي وجودِ التوبة حينئذ وعدمِها بالمرة . وقيل : المرادُ بالمجيء الدنوُّ بحيث يمكن التقدمُ في الجملة كمجيء اليومِ الذي ضُرب لهلاكهم ساعةٌ فيه وليس بذاك . وتقديمُ بيانِ انتفاءِ الاستئخار لما أن المقصودَ بالذات بيانُ عدمِ خلاصِهم من العذاب ، وأما ما في قوله تعالى : { ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَخِرُونَ } [ الحجر ، الآية 5 ] من سبْق السبْقِ في الذكر فلِما أن المرادَ هناك بيانُ تأخيرِ إهلاكِهم مع استحقاقهم له حسبما ينبئ عنه قولُه تعالى : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الحجر ، الآية 3 ] فالأهمُّ هناك بيانُ انتفاءِ السبْق .