الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (57)

قوله تعالى : { فَشَرِّدْ } : العامَّةُ على الدال المهملة والتشريدُ : التطريد والتفريقُ والتسميع ، وهذه المعاني كلُّها لائقة بالآية . وقرأ الأعمش بخلافٍ عنه بالذال المعجمة . قال الشيخ : " وكذا هي في مصحف عبد الله " . قلت : وقد تقدم أن النَّقْط والشَّكْلَ أمرٌ حادثٌ أحدثه يحيى بن يعمر فكيف يُوْجَد ذلك في مصحف ابن مسعود ؟ قيل : وهذه المادة أعني الشين والراء والذال المعجمة مهملةٌ في لغة العرب . وفي هذه القراءةِ أوجه أحدها : أن الذالَ بدلٌ من مجاورتها كقولهم : لحم خراديل وخراذيل . الثاني : أنه مقلوبٌ مِنْ شذر من قولهم : تفرقوا شَذَر مَذَر ، ومنه الشَّذْر المُلْتَقَطُ من المعدن لتفرُّقِه ، قال :

غرائِرُ في كِنٍّ وصَوْنٍ ونَعْمة *** يُحَلَّيْنَ ياقوتاً وشَذْراً مُفَقَّرا

الثالث : أنه مِنْ " شَذَر في مقاله " إذا أكثر فيه ، قاله أبو البقاء ، ومعناه غير لائق هنا . وقال قطرب : " شرذ " بالمعجمة : التنكيل ، وبالمهملة التفريق ، وهذا يقوِّي قول مَنْ قال : إن هذه المادة ثابتةٌ في لغة العرب .

قوله : " مَنْ خَلْفَهم " مفعولُ " شَرِّد " . وقرأ الأعمش بخلافٍ عنه وأبو حيوة " مِنْ خلفِهم " جاراً ومجروراً . والمفعولُ على هذه القراءةِ محذوفٌ أي : فَشَرِّدْ أمثالَهم من الأعداء أو ناساً يعملون بعملهم . والضميران في " لعلهم يَذَّكَّرون " الظاهر عَوْدُهما على " مَنْ خلفهم " ، أي إذا رَأَوا ما/ حَلَّ بالناقِضين تذكَّروا . وقيل : يعودان على المُنْقِضين ، وليس له معنى طائل .