الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

قوله تعالى : { وَإِن جَنَحُواْ } : الجُنوح : المَيْل ، وجَنَحت الإِبلُ : أمالَتْ أعناقها ، قال ذو الرمة :

إذا ماتَ فوق الرَّحْلِ أَحْيَيْتُ روحَه *** بذكراكِ والعِيسُ المَراسِيلُ جُنَّحُ

ويقال : جَنَح الليلُ : أقبل . قال النضر بن شميل : " جَنَح الرجل إلى فلان ولفلان : إذا خضع له " . والجُنوح : الاتِّباع أيضاً لتضمُّن الميلِ ، قال النابغة يصف طيراً يتبع الجيش :

جَوانحَ قد أيقَنَّ أنَّ قبيلَه *** إذا ما التقى الجمعانِ أولُ غالبِ

ومنه " الجوانح " للأضلاع لمَيْلِها على حَشْوة الشخص ، والجناح من ذلك لميلانه على الطائر . وقد تقدَّم الكلام على شيء من هذه المادة في البقرة . وعلى " السِّلم " .

وقرأ أبو بكر عن عاصم هنا بكسرِ السين ، وكذا في القتال : { وَتَدْعُواْ إِلَى السَّلْمِ } . وافقه حمزة على ما في القتال . و " للسِّلْم " متعلق ب " جَنَحوا " فقيل : يَتَعدَّى بها وب إلى . وقيل : هي هنا بمعنى إلى . وقرأ الأشهب العقيلي " فاجنُحْ " بضم النون وهي لغة قيس ، والفتح لغة تميم . والضمير في " لها " يعود على " السلم " لأنها تذكَّر وتؤنَّثُ . ومن التأنيث قولُه :

وأَقْنَيْتُ للحربِ آلاتِها *** وأَعْدَدْتُ للسِّلْم أوزارَها

/ وقال آخر :

السِّلْمُ تأخذ منها ما رَضِيْتَ به *** والحربُ يَكْفيك من أنفاسها جُرَعُ