الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

قوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ } : الاستفهامُ إذا دخل على النفي قَرَّره ، فصار المعنى : قد شَرَحْنا ، ولذلك عَطَفَ عليه الماضي . ومثلُه { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ } [ الشعراء : 18 ] . والعامَّةُ على جزمِ الحاء ب " لم " وقرأ أبو جعفر بفتحها . وقال الزمخشري : " وقالوا : لعلَّة بَيَّنَ الحاءَ وأشبعها في مَخْرَجِها ، فظنَّ السامعُ أنه فتحها " وقال ابن عطية : " إنَّ الأصلَ : ألم نَشْرَحَنْ " بالنونِ الخفيفةِ ، ثم أَبْدَلَها ألفاً ، ثم حَذَفَها تخفيفاً ، كما أنشد أبو زيد :

مِنْ أيِّ يَوْمَيَّ من الموتِ أفِرّْ *** أيومَ لم يُقْدَرَ أم يومَ قُدِرْ

بفتح راء " لم يُقْدَرَ " وكقولِه :

اضْرِبَ عنكَ الهمومَ طارِقَها *** ضَرْبَكَ بالسيفِ قَوْنَسَ الفَرَسِ

بفتح باء " اضربَ " انتهى . وهذا مبنيٌ على جوازِ توكيدِ المجزومِ ب لم ، وهو قليلٌ جداً ، كقولِه :

يَحْسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلما *** شيخاً على كُرْسِيِّه مُعَمَّما

فتتركبُ هذه القراءةُ مِنْ ثلاثةِ أصولٍ كلُّها ضعيفةٌ ؛ لأنَّ توكيدَ المجزومِ ب " لم " ضعيفٌ ، وإبدالُها أَلِفاً إنما هو الوقف ، وإجراءُ الوصلِ مُجْرى / الوقفِ خِلافُ الأصلِ ، وحَذْفُ الألفِ ضعيفٌ ، لأنه خلافُ الأصلِ . وخَرَّجه الشيخُ على لغةٍ حكاها اللحيانيُّ في " نوادره " عن بعضِ العربِ وهو الجزمُ ب " لن " ، والنصبُ ب " لم " عكسَ المعروفِ عند الناس ، وجعله أَحْسَنَ ممَّا تقدَّم . وأنشد قولَ عائشةَ بنتِ الأعجم تمدح المختار وهو القائمُ بطَلَبِ ثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما :

قد كادَ سَمْكُ الهُدى يُنْهَدُّ قائمُهُ *** حتى أتيحَ له المختارُ فانْعَمدا

في كلِّ ما هَمَّ أمضى رأيَه قُدُماً *** ولم يُشاوِرَ في إقدامِه أحدا

بنَصْبِ راء " يُشاور " وجَعَله محتمِلاً للتخريجَيْنِ .