البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

قال قتادة ، وابن جريج ، ومقاتل : لما رأوا كتاب الصلح يوم الحديبية وقد كتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو : ما يعرف الرحمن إلا مسيلمة ، فنزلت .

وقيل : سمع أبو جهل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : يا رحمن ، فقال : إن محمداً ينهانا عن عبادة آلهة وهو يدعو إلهين فنزلت .

ذكر هذا علي بن أحمد النيسابوري ، وعن ابن عباس : لما قيل لكفار قريش اسجدوا للرحمن قالوا : وما الرحمن فنزلت .

قال الزمخشري مثل ذلك الإرسال أرسلناك يعني : أرسلناك آرسالاً له شأن وفضل على سائر الإرسالات انتهى .

ولم يتقدم إرسال يشار إليه بذلك ، إلا إن كان يفهم من المعنى فيمكن ذلك .

وقال الحسن : كإرسالنا الرسل أرسلناك ، فذلك إشارة إلى إرساله الرسل .

وقيل : الكاف متعلقة بالمعنى الذي في قوله : { قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب } كما أنفذ الله هذا كذلك أرسلناك .

وقال ابن عطية : والذي يظهر لي أنّ المعنى كما أجرينا العادة بأنّ الله يضل من يشاء ويهدي بالآيات المقترحة ، فكذلك فعلنا في هذه الأمة أرسلناك إليهم بوحي ، لا بالآيات المقترحة ، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء انتهى .

وقال الحوفي : الكاف للتشبيه في موضع نصب أي : كفعلنا الهداية والإضلال ، والإشارة بذلك إلى ما وصف به نفسه من أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء .

وقال أبو البقاء : كذلك التقدير الأمر كذلك .

قد خلت من قبلها أمم أي : تقدمتها أمم كثيرة ، والمعنى : أرسلت فيهم رسل فمثل ذلك الإرسال أرسلناك .

ودل هذا المحذوف الذي يقتضيه المعنى على أنّ الإشارة بذلك إلى إرساله تعالى الرسل كما قال الحسن ، ولتتلو أي : لتقرأ عليهم الكتاب المنزل عليك .

وعلة الإرسال هي الإبلاغ للدين الذي أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يكفرون أي : وحال هؤلاء أنهم يكفرون بالرحمن جملة حالية أي : أرسلناك في أمة رحمة لها مني وهم يكفرون بي أي : وحال هؤلاء أنهم يكفرون بالرحمن بالبليغ الرحمة .

والظاهر أنّ الضمير في قوله : وهم ، عائد على أمة المرسل إليهم الرسول إعادة على المعنى ، إذ لو أعاد على اللفظ لكان التركيب وهي تكفر ، والمعنى : أرسلناك إليهم وهم يدينون دين الكفر ، فهدى الله بك من أراد هدايته .

وقيل : يعود على الذين قالوا : { لولا أنزل عليه آية من ربه } وقيل : يعود على أمة وعلى أمم ، والمعنى : الإخبار بأنّ الأمم السالفة أرسلت إليهم الرسل والأمة التي أرسلت إليها جميعهم جاءتهم الرسل وهم يدينون دين الكفر ، فيكون في ذلك تسلية للرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أمته مثل الأمم السالفة .

ونبه على الوصف الموجب لإرسال الرسول وهو الرحمة الموجبة لشكر الله على إنعامه عليهم ببعثة الرسول والإيمان به .

قل : هو أي الرحمن الذي كفروا به هو ربي الواحد المتعال عن الشركاء ، عليه توكلت في نصرتي عليكم ، وجميع أموري ، وإليه مرجعي ، فيثبتني على مجاهدتكم .