خافت بالكلام أسره بحيث لا يكاد يسمعه المتكلم وضربه حتى خفت أي لا يسمع له حس .
قال ابن عباس : تهجد الرسول صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بمكة فجعل يقول في سجوده : «يا رحمن يا رحيم » .
فقال المشركون : كان محمد يدعو إلهاً واحداً فهو الآن يدعو إلهين اثنين الله والرحمن ، ما الرحمن إلاّ رحمن اليمامة يعنون مسيلمة فنزلت قاله في التحرير .
ونقل ابن عطية نحواً منه عن مكحول .
وقال عن ابن عباس : سمعه المشركون يدعو يا الله يا رحمن ، فقالوا : كان يدعو إلهاً واحداً وهو يدعو إلهين فنزلت .
وقال ميمون بن مهران : كان عليه السلام يكتب : باسمك اللهم حتى نزلت إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم فكتبها فقال مشركو العرب : هذا الرحيم نعرفه ، فما الرحمن ؟ فنزلت : وقال الضحاك : قال أهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم : إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم ، فنزلت لما لجوّا في إنكار القرآن أن يكون الله نزله على رسوله عليه السلام وعجزوا عن معارضته ، وكان عليه الصلاة والسلام قد جاءهم بتوحيد الله والرفض لآلهتهم عدلوا إلى رميه عليه الصلاة والسلام بأن ما نهاهم عنه رجع هو إليه ، فردّ الله تعالى عليهم بقوله { قل ادعوا الله } الآية .
والظاهر من أسباب النزول أن الدعاء هنا قوله يا رحمن يا رحيم أو يا الله يا رحمن من الدعاء بمعنى النداء ، والمعنى : إن دعوتم الله فهو اسمه وإن دعوتم الرحمن فهو صفته .
قال الزمخشري : والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء وهو يتعدّى إلى مفعولين ، تقول : دعوته زيداً ثم تترك أحدهما استغناءً عنه ، فتقول : دعوت زيداً انتهى .
ودعوت هذه من الأفعال التي تتعدّى إلى اثنين ثانيهما بحرف جر ، تقول : دعوت والدي بزيد ثم تتسع فتحذف الباء .
دعتني أخاها أم عمرو ولم أكن . . . ***أخاها ولم أرضع لها بلبان
وهي أفعال تتعدى إلى واحد بنفسها وإلى الآخر بحرف الجر ، يحفظ ويقتصر فيها على السماع وعلى ما قال الزمخشري يكون الثاني لقوله { ادعوا } لفظ الجلالة ، ولفظ { الرحمن } وهو الذي دخل عليه الباء ثم حذف وكأن التقدير { ادعوا } معبودكم بالله أو ادعوه بالرحمن ولهذا قال الزمخشري : المراد بهما اسم المسمى وأو للتخيير ، فمعنى { ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } سموا بهذا الاسم أو بهذا ، واذكروا إما هذا وإما هذا انتهى .
وكذا قال ابن عطية هما اسمان لمسمى واحد ، فإن دعوتموه بالله فهو ذاك ، وإن دعوتموه بالرحمن فهو ذاك وأي هنا شرطية .
والتنوين قيل عوض من المضاف و { ما } زائدة مؤكدة .
وقيل : { ما } شرط ودخل شرط على شرط .
{ أياً } من { تدعوا } فاحتمل أن تكون من زائدة على مذهب الكسائي إذ قد ادّعى زيادتها في قوله :
يا شاة من قنص لمن حلت له . . .
واحتمل أن يكون جمع بين أداتي شرط على وجه الشذوذ كما جمع بين حرفي جر نحو قول الشاعر :
فأصبحن لا يسألنني عن بما به . . .
والضمير في { فله } عائد على مسمى الاسمين وهو واحد ، أي فلمسماهما { الأسماء الحسنى } ، وتقدم الكلام على قوله { الأسماء الحسنى } في الأعراف .
وقوله : { فله } هو جواب الشرط .
قيل : ومن وقف على { أياً } جعل معناه أي اللفظين دعوتموه به جاز ، ثم استأنف فقال ما تدعوه { فله الأسماء الحسنى } وهذا لا يصح لأن ما لا تطلق على آحاد أولي العلم ، ولأن الشرط يقتضي عموماً ولا يصح هنا ، والصلاة هنا الدعاء قاله ابن عباس وعائشة وجماعة .
وعن ابن عباس أيضاً : هي قراءة القرآن في الصلاة فهو على حذف مضاف أي بقراءة الصلاة ، ولا يلبس تقدير هذا المضاف لأنه معلوم أن الجهر والمخافتة معتقبان على الصوت لا غير ، والصلاة أفعال وأذكار وكان عليه الصلاة والسلام يرفع صوته بقراءته فيسب المشركون ويلغون فأمر بأن يخفض من صوته حتى لا يسمع المشركين ، وأن لا يخافت حتى يسمعه من وراءه من المؤمنين .
{ وابتغ بين ذلك } أي بين الجهر والمخافتة { سبيلاً } وسطاً وتقدم الكلام على { بين ذلك } في قوله { عوان بين ذلك } وقال ابن عباس أيضاً والحسن : لا تحسن علانيتها وتسيء سرّيتها .
وعن عائشة : الصلاة يراد بها هنا التشهد .
وقال ابن سيرين : كان الأعراب يجهرون بتشهدهم فنزلت الآية في ذلك ، وكان أبو بكر يسرّ قراءته وعمر يجهر بها .
فقيل لهما في ذلك فقال أبو بكر : إنما أناجي ربي وهو يعلم حاجتي .
وقال عمر : أنا أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان ، فلما نزلت قيل لأبي بكر ارفع أنت قليلاً .
وعن ابن عباس أيضاً : المعنى { ولا تجهر } بصلاة النهار { ولا تخافت } بصلاة الليل .
وقال ابن زيد : معنى الآية على ما يفعله أهل الإنجيل والتوراة من رفع الصوت أحياناً فيرفع الناس معه ، ويخفض أحياناً فيسكت الناس خلفه انتهى .
كما يفعل أهل زماننا من رفع الصوت بالتلحين وطرائق النغم المتخذة للغناء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.