البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقُرۡءَانٗا فَرَقۡنَٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٖ وَنَزَّلۡنَٰهُ تَنزِيلٗا} (106)

المكث : التطاول في المدّة ، يقال : مكث ومكث أطال الإقامة .

وقرأ الجمهور : { فرقناه } بتخفيف الراء أي بيَّنا حلاله وحرامه قاله ابن عباس ، وعن الحسن فرقنا فيه بين الحق والباطل .

وقال الفراء : أحكمناه وفصلناه كقوله { فيها يفرق كل أمر حكيم } وقرأ أبيّ وعبد الله وعليّ وابن عباس وأبو رجاء وقتادة والشعبي وحميد وعمرو بن قائد وزيد بن عليّ وعمرو بن ذر وعكرمة والحسن بخلاف عنه بشد الراء أي { أنزلناه } نجماً بعد نجم .

وفصلناه في النجوم .

وقال بعض من اختار ذلك : لم ينزل في يوم ولا يومين ولا شهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين .

قال ابن عباس : كان بين أوله وآخره عشرون سنة ، هكذا قال الزمخشري عن ابن عباس .

وحكي عن ابن عباس في ثلاث وعشرين سنة .

وقيل : في خمس وعشرين ، وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في سنه عليه السلام ، وعن الحسن نزل في ثمانية عشر سنة .

قال ابن عطية : وهذا قول مختل لا يصح عن الحسن .

وقيل معنى : { فرّقناه } بالتشديد فرقنا آياته بين أمر ونهي ، وحكم وأحكام ، ومواعظ وأمثال ، وقصص وأخبار مغيبات أتت وتأتي .

وانتصب { قرآناً } على إضمار فعل يفسره { فرقناه } أي وفرقنا { قرآناً فرقناه } فهو من باب الاشتغال وحسن النصب ، ورجحه على الرفع كونه عطفاً على جملة فعلية وهي قوله { وما أرسلناك } .

ولا بد من تقدير صفة لقوله { وقرآناً } حتى يصح كونه كان يجوز فيه الابتداء لأنه نكرة لا مسوغ لها في الظاهر للابتداء بها ، والتقدير { وقرآناً } أي قرآن أي عظيماً جليلاً ، وعلى أنه منصوب بإضمار فعل يفسره الظاهر بعده خرّجه الحوفي والزمخشري .

وقال ابن عطية وهو مذهب سيبويه .

وقال الفراء : هو منصوب بأرسلناك أي { ما أرسلناك إلاّ مبشراً ونذيراً وقرآناً } كما تقول رحمة لأن القرآن رحمة وهذا إعراب متكلف وأكثر تكلفاً منه قول ابن عطية ، ويصح أن يكون معطوفاً على الكاف في { أرسلناك } من حيث كان إرسال هذا وإنزال هذا المعنى واحد .

وقرأ أُبيّ وعبد الله { فرّقناه } عليك بزيادة عليك و { لتقرأه } متعلق بفرقناه ، والظاهر تعلق على مكث بقوله { لتقرأه } ولا يبالي بكون الفعل يتعلق به حرفاً جر من جنس واحد لأنه اختلف معنى الحرفين الأول في موضع المفعول به ، والثاني في موضع الحال أي متمهلاً مترسلاً .

قال ابن عباس ومجاهد وابن جريج : { على مكث } على ترسل في التلاوة .

وقيل : { على مكث } أي تطاول في المدة شيئاً بعد شيء .

وقال الحوفي : { على مكث } بدل من { على الناس } وهذا لا يصح لأن قوله { على مكث } هو من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القارئ ، أو صفات المقروء في المعنى وليس من صفات الناس فيكون بدلاً منهم .

وقيل يتعلق { على مكث } بقوله { فرقناه } ويقال مكث بضم الميم وفتحها وكسرها .

وقال ابن عطية : وأجمع القراء على ضم الميم من { مكث } .

وقال الحوفي : والمكث بالضم والفتح لغتان ، وقد قرئ بهما وفيه لغة أخرى كسر الميم .

{ ونزلناه تنزيلاً } على حسب الحوادث من الأقوال والأفعال .