البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا} (5)

جاسَ يَجُوسُ جوساً وَجَوَساناً تردد في الغارة قاله الليث . وقال أبو عبيدة : جاسوافتشوا هل بقي ممن لم يقتل . وقال الفراء : قيلوا . قال حسان :

ومنا الذي لاقى لسيف محمد فجاس به الأعداء عرض العساكر . -   -

وقال قطرب : نزلوا قال الشاعر :

فجسنا ديارهم عنوة -***   -وأبناء ساداتهم موثقينا

وقيل : داسوا ، ومنه :

إليك جسنا الليل بالمطي-   -

وقال أبو زيد : الجوس والحوس والعوس والهوس الطواف بالليل . فالجوس والحوس طلب الشيء باستقصاء .

{ فإذا جاء وعد أولاهما } أي موعد أولاهما لأن الوعد قد سبق ذلك والموعود هو العقاب .

وقال الزمخشري : معناه وعد عقاب أولاهما .

وقيل : الوعد بمعنى الوعيد .

وقيل : بمعنى الموعد الذي يراد به الوقت ، والضمير في أولاهما عائد على المرتين .

وقرأ الجمهور { عباداً } وقرأ الحسن وزيد بن علي عبيداً .

قال ابن عباس : غزاهم وقتادة جالوت من أهل الجزيرة .

وقال ابن جبير وابن إسحاق غزاهم سنجاريب وجنوده ملك بابل .

وقيل بخت نصر ، وروي أنه دخل قبل في جيش من الفرس وهو حامل يسير في مطبخ الملك ، فاطلع من جور بني إسرائيل على ما لم يعلمه الفرس لأنه كان يداخلهم ، فلما انصرف الجيش ذكر ذلك للملك الأعظم ، فلما كان بعد مدة جعله الملك رئيس جيش وبعثه وخرب بيت المقدس وقتلهم وجلاهم ثم انصرف فوجد الملك قد مات فملك موضعه ، واستمرت حاله حتى ملك الأرض بعد ذلك .

وقيل هم العمالقة وكانوا كفاراً .

وقيل : كان المبعوثون قوماً مؤمنين بعثهم الله وأمرهم بغزو بني إسرائيل والبعث هنا الإرسال والتسليط .

وقال الزمخشري : معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم على أن الله عز وعلا أسند بعث الكفرة إلى نفسه فهو كقوله : { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون } وكقول الداعي : وخالف بين كلمتهم وأسند الجوس وهو التردّد خلال الديار بالفساد إليهم ، فتخريب المسجد وإحراق التوراة من جملة الجوس المسند إليهم انتهى .

وفي قوله خلينا بينهم وبين ما فعلوا دسيسة الاعتزال .

وقال ابن عطية : { بعثنا } يحتمل أن يكون الله أرسل إلى ملك تلك الأمة رسولاً بأمره بغزو بني إسرائيل فتكون البعثة بأمر ، ويحتمل أن يكون عبر بالبعث عما ألقى في نفس الملك أي غزاهم انتهى .

{ أولي بأس شديد } أي قتال وحرب شديد لقوتهم ونجدتهم وكثرة عددهم وعُددهم .

وقرأ الجمهور { فجاسوا } بالجيم .

وقرأ أبو السمال وطلحة فحاسوا بالحاء المهملة .

وقرئ فتجوسوا على وزن تكسروا بالجيم .

وقرأ الحسن { خلال الديار } واحداً ويجمع على خلل كجبل وجبال ، ويجوز أن يكون خلال مفرداً كالخلل وهو وسط الديار وما بينها ، والجمهور على أنه في هذه البعثة الأولى خرّب بيت المقدس ووقع القتل فيهم والجلاء والأسر .

وعن ابن عباس ومجاهد : أنه حين غزوا جاس الغازون خلال الديار ولم يكن قتل ولا قتال في بني إسرائيل ، وانصرفت عنهم الجيوش .

والضمير في { وكان } عائداً على وعد أولاهما .

قال الزمخشري : وكان وعد العقاب وعداً لا بد أن يفعل انتهى .

وقيل يعود على الجيوش