البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٌ} (119)

والسوء هنا قال ابن عباس : الشرك قبل المعرفة بالله انتهى .

ما يسوء صاحبه من كفر ومعصية غيره .

والكلام في للذين عملوا وما يتعلق به تقدم نظيره في قوله : { ثم إن ربك للذين هاجروا } فأغنى عن إعادته .

وقال قوم : بجهالة تعمد .

وقال ابن عطية : ليست هنا ضد العلم ، بل تعدى الطور وركوب الرأس منه : أو أجهل أو يُجهل عليّ .

وقول الشاعر :

ألا لا يجهلنَّ أحد علينا***فنجهل فوق جهل الجاهلينا

والتي هي ضد العلم ، تصحب هذه كثيراً ، ولكن يخرج منها المتعمد وهو الأكثر .

وقلّ ما يوجد في العصاة من لم يتقدم له علم بخطر المعصية التي يواقع انتهى .

ملخصاً .

وقال الزمخشري : بجهالة في موضع الحال أي : عملوا السوء جاهلين غير عارفين بالله وبعقابه ، أو غير متدبرين للعاقبة لغلبة الشهوة عليهم .

وقال سفيان : جهالته أن يلتذ بهواه ، ولا يبالي بمعصية مولاه .

وقال الضحاك : باغترار الحال عن المآل .

وقال العسكري : ليس المعنى أنه يغفر لمن يعمل السوء بجهالة ، ولا يغفر لمن عمله بغير جهالة ، بل المراد أن جميع من تاب فهذا سبيله ، وإنما خص من يعمل السوء بجهالة ، لأنّ أكثر من يأتي الذنوب يأتيها بقلة فكر في عاقبة ، أو عند غلبة شهوة ، أو في جهالة شباب ، فذكر الأكثر على عادة العرب في مثل ذلك .

والإشارة بذلك إلى عمل السوء ، وأصلحوا : استمروا على الإقلاع عن تلك المعصية .

وقيل : أصلحوا آمنوا وأطاعوا ، والضمير في من بعدها عائد على المصادر المفهومة من الأفعال السابقة أي : من بعد عمل السوء والتوبة والإصلاح .

وقيل : يعود على الجهالة .

وقيل : على السوء على معنى المعصية .