البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} (72)

{ قالوا لن نؤثرك } أي لن نختار اتباعك وكوننا من حزبك وسلامتنا من عذابك { على ما جاءنا من البينات } وهي المعجزة التي أتتنا وعلمنا صحتها .

وفي قولهم هذا توهين له واستصغار لما هددهم به وعدم اكتراث بقوله .

وفي نسبة المجيء إليهم وإن كانت البينات جاءت لهم ولغيرهم لأنهم كانوا أعرف بالسحر من غيرهم ، وقد علموا أن ما جاء به موسى ليس بسحر فكانوا على جلية من العلم بالمعجز ، وغيرهم يقلدهم في ذلك وأيضاً فكانوا هم الذين حصل لهم النفع بها فكانت بينات واضحة في حقهم .

والواو في { والذي فطرنا } واو عطف على { ما جاءنا } أي وعلى { الذي فطرنا } لما لاحت لهم حجة الله في المعجزة بدؤوا بها ثم ترقوا إلى القادر على خرق العادة وهو الله تعالى وذكروا وصف الاختراع وهو قولهم { الذي فطرنا } تبييناً لعجز فرعون وتكذيبه في ادعاء ربوبيته وإلاهيته وهو عاجز عن صرف ذبابة فضلاً عن اختراعها .

وقيل : الواو للقسم وجوابه محذوف ، ولا يكون { لن نؤثرك } جواباً لأنه لا يجاب في النفي بلن إلاّ في شاذ من الشعر و { ما } موصولة بمعنى الذي وصلته { أنت قاض } والعائد محذوف أي ما أنت قاضيه .

قيل : ولا يجوز أن تكون { ما } مصدرية لأن المصدرية توصل بالأفعال ، وهذه موصولة بابتداء وخبر انتهى .

وهذا ليس مجمعاً عليه بل قد ذهب ذاهبون من النحاة إلى أن { ما } المصدرية توصل بالجملة الاسمية .

وانتصب { هذه الحياة } على الظرف وما مهيئة ويحتمل أن تكون مصدرية أي إن قضاءك كائن في { هذه الحياة الدنيا } لا في الآخرة ، بل في الآخرة لنا النعيم ولك العذاب .

وقرأ الجمهور { تقضي } مبنياً للفاعل خطاباً لفرعون .

وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة تُقْضَى مبنياً للمفعول هذه الحياة بالرفع اتسع في الظرف فأُجْرِي مجرى المفعول به ، ثم بُني الفعل لذلك ورفع به كما تقول : صم يوم الجمعة وولد له ستون عاماً .

ولم يصرح في القرآن بأنه أنفذ فيهم وعيده ولا أنه قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم ، بل الظاهر أنه تعالى سلمهم منه ويدل على ذلك قوله { أنتما ومن اتبعكما الغالبون } وقيل : أنفذ فيهم وعيده وصلبهم على الجذوع وإكراهه إياهم على السحر .

قيل : حملهم على معارضة موسى .

وقيل : كان يأخذ ولدان الناس ويجربهم على ذلك فأشارت السحرة إلى ذلك قاله الحسن