البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

وتقدم الخلاف في قراءة { آمنتم } وفي لأقطعن ولأصلبن في الأعراف .

وتفسير نظير هذه الآية فيها وجاء هناك آمنتم به وهنا له ، وآمن يوصل بالباء إذا كان بالله وباللام لغيره في الأكثر نحو { فما آمن لموسى } { لن نؤمن لك } { وما أنت بمؤمن لنا } { فآمن له لوط } واحتمل الضمير في به أن يعود على موسى وأن يعود على الرب ، وأراد بالتقطيع والتصليب في الجذوع التمثيل بهم ، ولما كان الجذع مقراً للمصلوب واشتمل عليه اشتمال الظرف على المظروف عُدِّيَ الفعل بفي التي للوعاء .

وقيل في بمعنى على .

وقيل : نقر فرعون الخشب وصلبهم في داخله فصار ظرفاً لهم حقيقة حتى يموتوا فيه جوعاً وعطشاً ومن تعدية صلب بفي قول الشاعر :

وهم صلبوا العبدي في جذع نخلة *** فلا عطست شيبان إلاّ بأجدعا

وفرعون أول من صلب ، وأقسم فرعون على ذلك وهو فعل نفسه وعلى فعل غيره ، وهو { ولتعلمنّ أينا } أي أيي وأي من آمنتم به .

وقيل : أيي وأي موسى ، وقال ذلك على سبيل الاستهزاء لأن موسى لم يكن من أهل التعذيب وإلى هذا القول ذهب الزمخشري قال : بدليل قوله { آمنتم له } واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله كقوله { يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين } وفيه نفاحة باقتداره وقهره وما ألفه وضَرِيَ به من تعذيب الناس بأنواع العذاب ، وتوضيع لموسى عليه السلام واستضعاف مع الهزء به انتهى .

وهو قول الطبري قال : يريد نفسه وموسى عليه السلام ، والقول الأول أذهب مع مخرقة فرعون { ولتعلمنّ } هنا معلق و { أينا أشد } جملة استفهامية من مبتدإ وخبر في موضع نصب لقوله { ولتعلمنّ } سدّت مسد المفعولين أو في موضع مفعول واحد إن كان { لتعلمنّ } معدى تعدية عرف ، ويجوز على الوجه أن يكون { أينا } مفعولاً { لتعلمن } وهو مبني على رأي سيبويه و { أشد } خبر مبتدأ محذوف ، و { أينا } موصولة والجملة بعدها صلة والتقدير و { لتعلمنّ } من هو { أشد عذاباً وأبقى } .