ذهل عن الشيء ذهولاً : اشتغل عنه قاله قطرب ، وقال غيره : غفل لطريان شاغل من أهم أو وجع أو غيره . وقيل : مع دهشة .
وذكر تعالى أهول الصفات في قوله { ترونها } الآية لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصوروها بعقولهم ليكون ذلك حاملاً على تقواه تعالى إذ لا نجاة من تلك الشدائد إلاّ بالتقوى .
وروي أن هاتين الآيتين نزلتا ليلاً في غزوة بني المصطلق فقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ير أكثر باكياً من تلك الليلة ، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدراً ، وكانوا من بين حزين باك ومفكر .
والناصب ليوم { تذهل } والظاهر أن الضمير المنصوب في { ترونها } عائداً على الزلزلة لأنها المحدث عنها ، ويدل على ذلك وجود ذهول المرضعة ووضع الحمل هذا إذا أريد الحقيقة وهي الأصل ، ويكون ذلك في الدنيا .
وعن الحسن { تذهل } المرضعة عن ولدها لغير فطام { وتضع } الحامل ما في بطنها لغير تمام .
وقالت فرقة : الضمير يعود على { الساعة } فيكون الذهول والوضع عبارة عن شدة الهول في ذلك اليوم ، ولا ذهول ولا وضع هناك كقولهم : يوم يشيب فيه الوليد .
وجاء لفظ { مرضعة } دون مرضع لأنه أريد به الفعل لا النسب ، بمعنى ذات رضاع .
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت *** بني بطنها هذا الضلال عن القصد
والظاهر أن ما في قوله { عما أرضعت } بمعنى الذي ، والعائد محذوف أي أرضعته ، ويقويه تعدي وضع إلى المفعول به في قوله { حملها } لا إلى المصدر .
وقيل : ما مصدرية أي عن إرضاعها .
وقال الزمخشري : المرضعة هي التي في حال الإرضاع تلقم ثديها الصبي ، والمرضع التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به .
فقيل { مرضعة } ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة ، وخص بعض نحاة الكوفة أم الصبيّ بمرضعة والمستأجرة بمرضع وهذا باطل بقول الشاعر :
البيت فهذه { مرضعة } بالتاء وليست أمَّا للذي ترضع .
وقول الكوفيين إن الوصف الذي يختص بالمؤنث لا يحتاج فيه إلى التاء لأنها إنما جيء بها للفرق مردود بقول العرب مرضعة وحائضة وطالقة .
وقرأ الجمهور { تذهل كل } بفتح التاء والهاء ورفع كل ، وابن أبي عبلة واليماني بضم التاء وكسر الهاء أي { تذهل } الزلزلة أو الساعة كل بالنصب ، والحمل بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة .
وقرأ الجمهور { وترى } بالتاء مفتوحة خطاب المفرد وزيد بن علي بضم التاء وكسر الراء أي وترى الزلزلة أو الساعة .
وقرأ الزعفراني وعباس في اختياره بضم التاء وفتح الراء ، ورفع { الناس } وأنث على تأويل الجماعة .
وقرأ أبو هريرة وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وأبو نهيك كذلك إلا أنهم نصبوا { الناس } عدّى { ترى } إلى مفاعيل ثلاثة أحدها الضمير المستكن في { ترى } وهو ضمير المخاطب مفعول لم يسم فاعله ، والثاني والثالث { الناس سكارى } أثبت أنهم { سكارى } على طريق التشبيه ثم نفى عنهم الحقيقة وهي السكر من الخمر ، وذلك لما هم فيه من الحيرة وتخليط العقل .
وقرأ الجمهور { سُكارى } فيهما على وزن فعالى وتقدم ذكر الخلاف في فعالى بضم الفاء أهو جمع أو اسم جمع .
وقرأ أبو هريرة وأبو نهيك وعيسى بفتح السين فيهما وهو جمع تكسير واحده سكران .
وقرأ الأخوان وابن سعدان ومسعود بن صالح سُكرى فيهما ، ورويت عن الرسول صلى الله عليه وسلم رواها عمران بن حصين وأبو سعيد الخدري وهي قراءة عبد الله وأصحابه وحذيفة .
وقال سيبويه : وقوم يقولون سكرى جعلوه مثل مرضى لأنهما شيئان يدخلان على الإنسان ، ثم جعلوا روبى مثل سكرى وهم المستثقلون نوماً من شرب الرائب .
قال أبو علي الفارسي : ويصح أن يكون جمع سكر كزمنى وزمن ، وقد حكى سيبويه : رجل سكر بمعنى سكران فيجيء سكرى حينئذ لتأنيث الجمع .
وقرأ الحسن والأعرج وأبو زرعة وابن جبير والأعمش سُكرى بضم السين فيهما .
قال أبو الفتح : هو اسم مفرد كالبشرى وبهذا أفتاني أبو عليّ انتهى .
وقال أبو الفضل الرازي : فعلى بضم الفاء من صفة الواحدة من الإناث لكنها لما جعلت من صفات الناس وهم جماعة أجريت الجماعة بمنزلة المؤنث الموحد انتهى .
وعن أبي زرعة أيضاً سُكرى بفتح السين بسُكرى بضمها .
وعن ابن جبير أيضاً سكرى بالفتح من غير ألف { بسكارى } بالضم والألف .
وعن الحسن أيضاً { سكارى } بسكرى .
وقال أو لا ترونها على خطاب الجمع جعلوا جميعاً رائيين لها .
ثم قال { وترى } على خطاب الواحد لأن الرؤية معلقة بكون الناس على حال السكر ، فجعل كل واحد رائياً لسائرهم غشيهم من خوف عذاب الله ما أذهب عقولهم وردهم في حال من يذهب السكر عقله وتمييزه ، وجاء هذا الاستدراك بالإخبار عن { عذاب الله } أنه { شديد } لما تقدم ما هو بالنسبة إلى العذاب كالحالة اللينة وهو الذهول والوضع ورؤية الناس أشباه السكارى ، وكأنه قيل : وهذه أحوال هينة { ولكن عذاب الله شديد } وليس بهين ولا لين لأن لكن لا بد أن تقع بين متنافيين بوجه ما وتقدم الكلام فيها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.