البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{رَبِّ هَبۡ لِي حُكۡمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّـٰلِحِينَ} (83)

ثم سأله تعالى فقال : { رب هب لي حكماً } ، فدل على أن تقديم الثناء على المسألة من المهمات .

والظاهر أن الحكم هو الفصل بين الناس بالحق .

وقيل : الحكم : الحكمة والنبوة ، لأنها حاصلة تلو طلب النبوة ، لأن النبي ذو حكمة وذو حكم بين الناس .

وقال أبو عبد الله الرازي : لا يجوز تفسير الحكم بالنبوة لأنها حاصلة ، فلو طلب النبوة لكانت مطلوبة ، إما عين الحاصلة أو غيرها .

والأول محال ، لأن تحصيل الحاصل محال ، والثاني محال ، لأنه يمنع أن يكون الشخص الواحد نبياً مرتين ، بل المراد من الحكم ما هو كمال النبوة العملية ، وذلك بأن يكون عالماً بالخير لأجل العمل به . انتهى .

وقال ابن عطية : وقد فسر الحكم بالحكمة والنبوة ، قال : ودعاؤه عليه السلام في مثل هذا هو في التثبت والدوام .

وإلحاقه بالصالحين : توفيقه لعمل ينتظمه في جملتهم ، أو يجمع بينه وبينهم في الجنة .

وقد أجابه تعالى حيث قال : { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } قال أبو عبد الله الرازي : وإنما قدّم قوله : { هب لي حكماً } على قوله : { وألحقني بالصالحين } ، لأن القوة النظرية مقدمة على القوة العملية ، لأنه يمكنه أن يعلم الحق ، وإن لم يعمل به ، وعكسه غير ممكن ، لأن العلم صفة الروح ، والعمل صفة البدن ، وكما أن الروح أشرف من البدن ، كذلك العلم أفضل من الإصلاح . انتهى .