البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ} (63)

ولما انتهى موسى إلى البحر ، قال له مؤمن آل فرعون ، وكان بين يدي موسى : أين أمرت ، وهذا البحر أمامك وقد غشيتك آل فرعون ؟ قال : أمرت بالبحر ، ولا يدري موسى ما يصنع .

ورويت هذه المقالة عن يوشع ، قالها لموسى عليه السلام ، فأوحى الله إليه { أن اضرب بعصاك البحر } ، فخاض يوشع الماء .

وضرب موسى بعصاه ، فصار فيه اثنا عشر طريقاً ، لكل سبط طريق .

أراد تعالى أن يجعل هذه الآية متصلة بموسى ومتعلقة بفعل فعله ، ولكنه بقدرة الله إذ ضرب البحر بالعصا لا يوجب انفلاق البحر بذاته ، ولو شاء تعالى لفلقه دون ضربه بالعصا ، وتقدّم الخلاف في مكان هذا البحر .

{ فانفلق } : ثم محذوف تقديره : فضرب فانفلق .

وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أن المحذوف هو ضرب ، وفاء انفلق .

والفاء في انفلق هي فاء ضرب ، فأبقى من كل ما يدل على المحذوف ، أبقيت الفاء من فضرب واتصلت بانفلق ، ليدل على ضرب المحذوفة ، وأبقى انفلق ليدل على الفاء المحذوفة منه .

وهذا قول شبيه بقول صاحب البرسام ، ويحتاج إلى وحي بسفر عن هذا القول .

وإذا نظرت القرآن وجدت جملاً كثيرة محذوفة ، وفيها الفاء نحو قوله : { فأرسلون ، يوسف أيها } أي فأرسلوه ، فقال يوسف أيها الصديق .

والفرق الجزء المفصل .

والطود : الجبل العظيم المنطاد في السماء .

وحكى يعقوب عن بعض القراء ، أنه قرأ كل فلق باللام عوض الراء .