البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا يَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمۡ لَا يَهۡتَدُونَ} (24)

ولما لم يتأثر سليمان للإخبار بهذا كله ، إذ هو أمر دنياوي ، أخبره خامساً بما يهزه لطلب هذه الملكة ، ودعائها إلى الإيمان ، وإفراده بالعبادة فقال : { وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله } ، وقد تقدم القول : إنهم كانوا مجوساً يعبدون الأنوار ، وهو قول الحسن .

وقيل : كانوا زنادقة .

وهذه الإخبارات من الهدهد كانت على سبيل الاعتذار عن غيبته عن سليمان ، وعرف أن مقصد سليمان الدعاء إلى توحيد الله والإيمان به ، فكان ذلك عذراً واضحاً أزال عنه العقوبة التي كان سليمان قد توعده بها .

وقام ذلك الإخبار مقام الإيقان بالسلطان المبين ، إذ كان في غيبته مصلحة لإعلام سليمان بما كان خافياً عنه ، ومآله إلى إيمان الملكة وقومها .

وخفي ملك هذه المرأة ومكانها على سليمان ، وإن كانت المسافة بينهما قريبة ، كما خفي ملك يوسف على يعقوب ، وذلك لأمر أراده الله تعالى .

قال الزمخشري : ومن نوكي القصاص من يقف على قوله : { ولها عرش عظيم } ، وجدتها يريد أمر عظيم ، إن وجدتها فر من استعظام الهدهد عرشها ، فوقع في عظيمة وهي نسخ كتاب الله . انتهى .

وقال أيضاً فإن قلت : من أين للهدهد الهدى إلى معرفة الله ووجوب السجود له ، وإنكار السجود للشمس ، وإضافته إلى الشيطان وتزيينه ؟ قلت : لا يبعد أن يلهمه الله ذلك ، كما ألهمه وغيره من الطيور وسائر الحيوانات المعارف اللطيفة التي لا تكاد العقلاء يهتدون لها .

ومن أراد استقراء ذلك فعليه بكتاب الحيوان خصوصاً في زمان نبي سخرت له الطيور وعلم منطقها ، وجعل ذلك معجزة له . انتهى .

وأسند التزيين إلى الشيطان ، إذ كان هو المتسبب في ذلك بأقدار الله تعالى .

{ فصدهم عن السبيل } ، أي الشيطان ، أو تزيينه عن السبيل وهو الإيمان بالله وإفراده بالعبادة .

{ فهم لا يهتدون } ، أي إلى الحق .

وقرأ ابن عباس ، وأبو جعفر ، والزهري ، والسلمي ، والحسن ، وحميد ، والكسائي : ألا ، بتخفيف لام الألف ، فعلى هذا له أن يقف على : { فهم لا يهتدون } ، ويبتدىء على : { ألا يسجدوا } .

قال الزمخشري : وإن شاء وقف على ألا يا ، ثم ابتدأ اسجدوا ، وباقي السبعة : بتشديدها ، وعلى هذا يصل قوله : { فهم لا يهتدون } بقوله : { ألا يسجدوا } .