البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّهُۥ مِن سُلَيۡمَٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (30)

ثم أخبرتهم فقالت : { إنه من سليمان } ، كأنها قيل لها : ممن الكتاب وما هو ؟ فقالت : { إنه من سليمان } ، وإنه كيت وكيت .

أبهمت أولاً ثم فسرت ، وفي بنائها ألقي للمفعول دلالة على جهلها بالملقي ، حيث حذفته ، أو تحقيراً له ، حيث كان طائراً ، إن كانت شاهدته .

والظاهر أن بداءة الكتاب من سليمان باسم الله الرحمن الرحيم ، إلى آخر ما قص الله منه خاصة ، فاحتمل أن يكون من سليمان مقدماً على بسم الله ، وهو الظاهر ، وقدمه لاحتمال أن يندر منها ما لا يليق ، إذ كانت كافرة ، فيكون اسمه وقاية لاسم الله تعالى .

أو كان عنواناً في ظاهر الكتاب ، وباطنه فيه بسم الله إلى آخره .

واحتمل أن يكون مؤخراً في الكتابة عن بسم الله ، وإن ابتدأ الكتاب باسم الله ، وحين قرأته عليهم بعد قراءتها له في نفسها ، قدمته في الحكاية ، وإن لم يكن مقدماً في الكتابة .

وقال أبو بكر بن العربي : كانت رسل المتقدمين إذا كتبوا كتاباً بدأوا بأنفسهم ، من فلان إلى فلان ، وكذلك جاءت الإشارة .

وعن أنس : ما كان أحد أعظم حرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أصحابه إذا كتبوا إليه كتاباً بدأوا بأنفسهم .

وقال أبو الليث في ( كتاب البستان ) له : ولو بدأ بالمكتوب إليه جاز ، لأن الأمة قد أجمعت عليه وفعلوه .

وقرأ الجمهور : إنه من سليمان ، وإنه بكسر الهمزة فيهما .

وقرأ عبد الله : وإنه من سليمان ، بزيادة واو عطفاً على { إني ألقي } .

وقرأ عكرمة ، وابن أبي عبلة : بفتحهما ، وخرج على البدل من كتاب ، أي ألقى إليّ أنه ، أو على أن يكون التقدير لأنه كأنها .

عللت كرم الكتاب لكونه من سليمان وتصديره ببسم الله .

وقرأ أبي : أن من سليمان وأن بسم الله ، بفتح الهمزة ونون ساكنة ، فخرج على أن أن هي المفسرة ، لأنه قد تقدمت جملة فيها معنى القول ، وعلى أنها أن المخففة من الثقيلة ، وحذفت الهاء وبسم الله الرحمن الرحيم ، استفتاح شريف بارع المعنى مبدوء به في الكتب في كل لغة وكل شرع .