قوله : «وَجَدْتُهَا » ، هي التي بمعنى{[38672]} لقيت وأصبت ، فيتعدى لواحد ، فيكون «يَسْجُدُونَ » حالاً من مفعولها وما عطف عليه ، فإن قيل : كيف استعظم الهدهد عرشها مع ما كان يرى من ملك سليمان ، وأيضاً : فكيف سوَّى بين عرش بلقيس وعرش الله في الوصف بالعظم ؟ .
فالجواب عن الأول : يجوز أن يستصغر حالها إلى حال سليمان ، فاستعظم لها{[38673]} ذلك العرش ويجوز أن يكون لسليمان - مع جلالته - مثله كما قد يكون لبعض الأمراء شيء لا يكون مثله للسلطان .
وعن الثاني : أنه وصف عرشها بالعظم بالنسبة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك ، وَوَصْفُ عرشِ اللَّهِ بالعظم تعظيمٌ له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السماوات والأرض{[38674]} .
قال المفسرون : العرش السرير الضخم كان مضروباً من الذهب مكلّلاً بالدرّ والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر وقوائمه من الياقوت والزمرد ، وعليه سبعة أبواب على كل بيت باب مغلق{[38675]} .
قال ابن عباس : كان عرشها ثلاثين ذراعاً في ثلاثين ذراعاً وطوله في السماء ثلاثون ذراعاً{[38676]} . واعلم أن قوله : { الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش العظيم } إن قلنا : إنه من كلام الهدهد ، فالهدهد قد استدرك على نفسه ، واستقلّ عرشها بالنسبة إلى عظمة عرش الله ، وإن قلنا : إنه من كلام الله تعالى ، فالله رد عليه استعظامه لعرشها{[38677]} .
طعنت الملاحدة في هذه القصة من وجوه :
أحدها : أَنَّ هذه الآيات اشتملت على أنَّ النملة والهدهد تكلما بكلام لا يصدر ذلك إلاَّ عن العقلاء وذلك يجر إلى السَّفْسَطَة{[38678]} ، فإنَّا لو جوَّزنا ذلك لما أمِنّا من النملة التي نشاهدها في زماننا هذا{[38679]} أَنْ تكون أعلم بالهندسة من إقليدس{[38680]} ، وبالنحو من سيبويه ، وكذا القول في القملة والضئبان{[38681]} ، ولجوزنا أن يكون فيهم الأنبياء والمعجزات والتكاليف ، ومعلوم أنَّ مَنْ جوّزه كان إلى الجنون{[38682]} أقرب .
وثانيها : أنَّ سليمان - عليه السلام{[38683]} - كان بالشام ، فكيف طار{[38684]} الهدهد في تلك اللحظة اللطيفة من الشام إلى اليمن ، ثم رجع إليه ؟ .
وثالثها : كيف خفي على سليمان ( عليه السلام ){[38685]} تلك المملكة العظيمة مع أنَّ الجن والإنس كانوا في طاعته ، وأنه - عليه السلام{[38686]} - كان ملك الدنيا كلها ، وكان تحت طاعة بلقيس - على ما يقال - اثنا عشر ألف تحت يد كل واحد منهم مائة ألف ، مع ما يقال إنه لم يكن بين سليمان وبين بلدة بلقيس حال طيران الهدهد إلاَّ مسيرة ثلاثة أيام ؟ .
رابعها : من أين حصل للهدهد إنكار سجودهم للشمس وإضافته للشيطان وتزيينه ؟ .
والجواب عن الأول : أنّ ذلك الاحتمال قائم في أول العقل ، وإنما يدفع ذلك بالإجماع{[38687]} . وعن البواقي : أنَّ الإيمان بافتقار العالم إلى القادر المختار يزيل هذه الشكوك{[38688]} .
فصل{[38689]} :
قالت{[38690]} المعتزلة : قوله { يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ الله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ } يدل على أنَّ فعل العبد من جهته ، لأنه تعالى أضاف ذلك إلى الشيطان بعد إضافته إليهم ، وأورده مورد الذم ، وبين أنهم لا يهتدون .
أحدها : أَنَّ هذا قول الهدهد فلا يكون حجة .
وثانيها : أنه متروك الظاهر : فإنه{[38691]} قال : { فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل } ، وعندكم الشيطان ، فإنه ما صدّ الكافر عن السبيل ، إذ لو صدّه الشيطان عن السبيل لكان معذوراً ممنوعاً ، فيسقط عنه التكليف فلم يبق إلاَّ التمسك بالمدح والذم ، وجوابه قد تقدم{[38692]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.