البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

{ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } وفي الكلام حذف تقديره : فأمر بكتابة كتاب إليهم ، وبذهاب الهدهد رسولاً إليهم بالكتاب ، فقال : { اذهب بكتابي هذا } : أي الحاضر المكتوب الآن .

{ فألقه إليهم ثم تول عنهم } : أي تنح عنهم إلى مكان قريب ، بحيث تسمع ما يصدر منهم وما يرجع به بعضهم إلى بعض من القول .

وفي قوله : { اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم } دليل على إرسال الكتب إلى المشركين من الإمام ، يبلغهم الدعوة ويدعوهم إلى الإسلام .

وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وغيرهما ملوك العرب .

وقال وهب : أمره بالتولي حسن أدب ليتنحى حسب ما يتأدّب به الملوك ، بمعنى : وكن قريباً بحيث تسمع مراجعاتهم .

وقال ابن زيد : أمره بالتولي بمعنى الرجوع إليه ، أي ألقه وارجع .

قال : وقوله : { فانظر ماذا يرجعون } في معنى التقديم على قوله : { ثم تولى عنهم } . انتهى .

وقاله أبو علي ، ولا ضرورة تدعو إلى التقديم والتأخير ، بل الظاهر أن النظر معتقب التولي عنهم .

وقرىء في السبعة : فألقه ، بكسر الهاء وياء بعدها ، وباختلاس الكسرة وبسكون الهاء .

وقرأ مسلم بن جندب : بضم الهاء وواو بعدها ، وجمع في قوله : { إليهم } الهدهد قال : { وجدتها وقومها } .

وفي الكتاب أيضاً ضمير الجمع في قوله : { أن لا تعلوا عليّ } والكتاب كان فيه الدعاء إلى الإسلام لبلقيس وقومها .

ومعنى : { فانظر ماذا يرجعون } : أي تأمل واستحضره في ذهنك .

وقيل معناه : فانتظر .

ماذا : إن كان معنى فانظر معنى التأمل بالفكر ، كان انظر معلقاً ، وماذا : إما كلمة استفهام في موضع نصب ، وإما أن تكون ما استفهاماً وذا موصول بمعنى الذي .

فعلى الأول يكون يرجعون خبراً عن ماذا ، وعلى الثاني يكون ذا هو الخبر ويرجعون صلة ذا .

وإن كان معنى فانظر : فانتظر ، فليس فعل قلب فيعلق ، بل يكون ماذا كله موصولاً بمعنى الذي ، أي فانتظر الذي يرجعون ، والمعنى : فانظر ماذا يرجعون حتى ترد إلى ما يرجعون من القول .