{ وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهن مقبوضة } .
مفهوم الشرط يقتضي امتناع الاستيثاق بالرهن ، وأخذه في الحضر ، وعند وجدان الكاتب ، لأنه تعالى علق جواز ذلك على وجود السفر وفقدان الكاتب ، وقد ذهب مجاهد ، والضحاك : إلى أن الرهن والائتمان إنما هو في السفر ، وأما في الحضر فلا ينبغي شيء من ذلك ، ونقل عنهما أنهما لا يجوِّزان الارتهان إلاَّ في حال السفر ، وجمهور العلماء على جواز الرهن في الحضر ، ومع وجود الكاتب ، وأن الله تعالى ذكر السفر على سبيل التمثيل للإعذار ، لأنه مظنة فقدان الكاتب ، وإعواز الإشهاد ، فأقام التوثق بالرهن مقام الكتابة والشهادة ، ونبه بالسفر على كل عذر ، وقد يتعذر الكاتب في الحضر ؛ كأوقات الاشتغال والليل وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه في الحضر ، فدل ذلك على أن الشرط لا يراد مفهومه .
وقرأ الجمهور : كاتباً ، على الإفراد .
وقرأ أبي ، ومجاهد ، وأبو العالية : كاتباً على أنه مصدر ، أو جمع كاتب .
ونفي الكاتب يقتضي نفي الكتابة ، ونفي الكتابة يقتضي أيضاً نفي الكتب .
وقرأ ابن عباس والضحاك : كتاباً ، على الجمع اعتباراً بأن كل نازلة لها كاتب ، وروي عن أبي العالية : كتباً جمع كتاب ، وجمع اعتباراً بالنوازل أيضاً .
وقرأ الجمهور : فرهان ، جمع رهن نحو : كعب وكعاب .
وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : فرهن ، بضم الراء والهاء .
وقرأ بكل واحدة منهما جماعة غيرهما ، فقيل : هو جمع رهان ، ورهان جمع رهن ، قاله الكسائي ، والفراء .
وجمع الجمع لا يطرد عند سيبويه ، وقيل : هو جمع رهن ، كسقف ، ومن قرأ بسكون الهاء فهو تخفيف من رهن ، وهي لغة في هذا الباب ، نحو : كتب في كتب ، واختاره أبو عمرو بن العلاء وغيره ، وقال أبو عمرو بن العلاء : لا أعرف الرهان إلاَّ في الخيل لا غير ، وقال يونس : الرهن والرهان عربيان ، والرهن في الرهن أكثر ، والرهان في الخيل أكثر . انتهى .
وجمع فعل على فعل قليل ، ومما جاء فيه : رهن قول الأعشى :
وقال بكسر : رهن ، على أقل العدد لم أعلمه جاء ، وقياسه : أفعل ، فكأنهم استغنوا بالكثير عن القليل . انتهى .
والظاهر من قوله : مقبوضة ، اشتراط القبض .
وأجمع الناس على صحة قبض المرتهن ، وقبض وكيله ، وإما قبض عدل يوضع الرهن على يديه ، فقال الجمهور به وقال عطاء ، وقتادة ، والحكم ، وابن أبي ليلى : ليس بقبض ، فإن وقع الرهن بالإيجاب والقبول ، ولم يقع القبض ، فالظاهر من الآية أنه لا يصح إلاَّ بالقبض ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ، وقالت المالكية : يلزم الرهن بالعقد ، ويجبر الراهن على دفع الرهن ليحوزه المرتهن ، فالقبض عند مالك شرط في كمال فائدته ، وعند أبي حنيفة والشافعي شرط في صحته ، وأجمعوا على أنه لا يتم إلاَّ بالقبض .
واختلفوا في استمراره ، فقال مالك : إذا ردّه بعارية أو غيرها بطل .
وقال أبو حنيفة : إن ردّه بعارية أو وديعة لم يبطل .
وقال الشافعي : يبطل برجوعه إلى يد الراهن مطلقاً .
والظاهر من اشتراط القبض أن يكون المرهون ذاتاً متقومّة يصح بيعها وشراؤها ، ويتهيأ فيها القبض أو التخلية .
فقال الجمهور : لا يجوز رهن ما في الذمّة .
وقالت المالكية : يجوز ، وقال الجمهور : لا يصح رهن الغرر ، مثل : العبد الآبق ، والبعير الشارد ، والأجنة في بطون أمّهاتها ، والسمك في الماء ، والثمرة قبل بدو صلاحها .
واختلفوا في رهن المشاع ، فقال مالك ، والشافعي : يصح فيما يقسم وفيما لا يقسم .
وقال أبو حنيفة : لا يصح مطلقاً .
وقال الحسن بن صالح : يجوز فيما لا يقسم ، ولا يجوز فيما يقسم .
ومعنى : على سفر ، أي : مسافرين ، وقد تقدّم الكلام على مثله في آية الصيام .
ويحتمل قوله : ولم تجدوا ، أن يكون معطوفاً على فعل الشرط ، فتكون الجملة في موضع جزم ، ويحتمل أن تكون الواو للحال ، فتكون الجملة في موضع نصب .
ويحتمل أن يكون معطوفاً على خبر كان ، فتكون الجملة في موضع نصب ، لأن المعطوف على الخبر خبر ، وارتفاع : فرهان ، على أنه خبر مبتدأ محذوف ، التقدير : فالوثيقة رهان مقبوضة .
{ فان أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الذي اؤتمن أمانته } أي : إن وثق رب الدين بأمانة الغريم ، فدفع إليه ماله بغير كتاب ولا إشهاد ولا رهن ، فليؤدّ الغريم أمانته ، أي ما ائتمنه عليه رب المال وقرأ أبيّ : فإن أومن ، رباعيا مبنياً للمفعول ، أي : آمنه الناس ، هكذا نقل هذه القراءة عن أبيّ الزمخشري ، وقال السجاوندي : وقرأ أبيّ : فإن ائتمن ، افتعل من الأمن ، أي : وثق بلا وثيقة صك ، ولا رهن .
والضمير في : أمانته ، يحتمل أن يعود إلى رب الدين ، ويحتمل أن يعود إلى الذي اؤتمن .
والأمانة : هو مصدر أطلق على الشيء الذي في الذمّة ، ويحتمل أن يراد به نفس المصدر ، ويكون على حذف مضاف ، أي : فليؤدّ دين أمانته .
واللام في : فليؤدّ ، للأمر ، وهو للوجوب .
وأجمعوا على وجوب أداء الديون ، وثبوت حكم الحاكم به وجبره الغرماء عليه ، ويجوز إبدال همزة : فليؤدّ ، واواً نحو : يوجل ويوخر ويواخذ ، لضمة ما قبلها .
وروى أبو بكر عن عاصم : الذي اؤتمن ، برفع الألف ، ويشير بالضمة إلى الهمزة .
قال ابن مجاهد : وهذه الترجمة غلط .
وروى سليم عن حمزة إشمام الهمزة الضم ، وفي الإشارة والإشمام المذكورين نظر .
وقرأ ابن محيصن ، وورش بإبدال الهمزة ياء ، كما أبدلت في بئر وذئب ، وأصل هذا الفعل : أؤتمن ، بهمزتين : الأولى همزة الوصل ، وهي مضمومة .
والثاني : فاء الكلمة ، وهي ساكنة ، فتبدل هذه واواً لضمة ما قبلها ، ولاستثقال اجتماع الهمزتين ، فإذا اتصلت الكلمة بما قبلها رجعت الواو إلى أصلها من الهمزة ، لزوال ما أوجب إبدالها .
وهي همزة الوصل ، فإذا كان قبلها كسرة جاز إبدالها ياءً لذلك .
وقرأ عاصم في شاذه : اللذتمن ، بإدغام التاء المبدلة من الهمزة قياساً على : اتسر ، في الافتعال من اليسر .
قال الزمخشري : وليس بصحيح ، لأن التاء منقلبة عن الهمزة في حكم الهمزة ، واتزر عامّي ، وكذلك ريّا في رؤيا .
وما ذكر الزمخشري فيه أنه ليس بصحيح ، وأن اترز عامي يعني : أنه من إحداث العامّة ، لا أصل له في اللغة ، قد ذكره غيره ، أن بعضهم أبدل وأدغم ، فقال : اتمن واتزر ، وذكر أن ذلك لغة رديئة .
وأما قوله : وكذلك ريّا في رؤيا ، فهذا التشبيه إما أن يعود إلى قوله : واترز عامي ، فيكون إدغام ريّاً عامياً .
وإما أن يعود إلى قوله : فليس بصحيح ، أي : وكذلك إدغام : ريا ، ليس بصحيح .
وقد حكى الإدغام في ريا الكسائي .
{ وليتق الله ربه } أي عذاب الله في أداء ما ائتمنه رب المال ، وجمع بين قوله : الله ربه ، تأكيداً لأمر التقوى في أداء الدين كما جمعهما في قوله : { وليملل الذي عليه الحق } فأمر بالتقوى حين الإقرار بالحق ، وحين أداء ما لزمه من الدين ، فاكتنفه الأمر بالتقوى حين الأخذ وحين الوفاء .
{ ولا تكتموا الشهادة } هذا نهي تحريم ، ألا ترى إلى الوعيد لمن كتمها ؟ وموضع النهي حيث يخاف الشاهد ضياع الحق .
وقال ابن عباس : على الشاهد أن يشهد حيث ما استشهد ، ويخبر حيث ما استخبر .
ولا تقل : أخبر بها عن الأمير ، بل أخبره بها لعله يرجع ويرعوي .
وقرأ السلمي : ولا يكتموا ، بالياء على الغيبة .
{ ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } كتم الشهادة هو إخفاؤها بالامتناع من أدائها ، والكتم من معاصي القلب ، لأن الشهادة علم قام بالقلب ، فلذلك علق الإثم به .
وهو من التعبير بالبعض عن الكل : ( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) .
وإسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ وآكد ، ألا ترى أنك تقول : أبصرته عيني ؟ وسمعته أذني ؟ ووعاه قلبي ؟ فأسند الإثم إلى القلب إذ هو متعلق الإثم ، ومكان اقترافه ، وعنه يترجم اللسان .
ولئلا يظنّ أن الكتمان من الآثام المتعلقة باللسان فقط ، وأفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح ، وهي لها كالأصول التي تتشعب منها ، لو خشع قلبه لخشعت جوارحه .
وقراءة الجمهور : آثم ، اسم فاعل من : أثم قلبه ، و : قلبه ، مرفوع به على الفاعلية ، و : آثم ، خبر : إن ، وجوّز الزمخشري أن يكون : آثم ، خبراً مقدّماً ، و : قلبه ، مبتدأ .
والجملة في موضع خبر : إن ، وهذا الوجه لا يجيزه الكوفيون .
وقال ابن عطية : ويجوز أن يكون يعني : آثم ابتداء وقلبه فاعل يسدّ مسدّ الخبر ، والجملة خبر إن .
وهذا لا يصح على مذهب سيبويه وجمهور البصريين ، لأن اسم الفاعل لم يعتمد على أداة نفي ولا أداة استفهام ، نحو : أقائم الزيدان ؟ وأقائم الزيدون ؟ وما قائم الزيدان ؟ لكنه يجوز على مذهب أبي الحسن ، إذ يجيز : قائم الزيدان ؟ فيرفع الزيدان باسم الفاعل دون اعتماد على أداة نفي ولا استفهام .
قال ابن عطية : ويجوز أن يكون : قلبه ، بدلاً على بدل بعض من كل ، يعنى : أن يكون بدلاً من الضمير المرفوع المستكن في : آثم ، والإعراب الأول هو الوجه .
وقرأ قوم : قلبَه ، بالنصب ، ونسبها ابن عطية إلى ابن أبي عبلة .
وقال : قال مكي : هو على التفسير يعنى التمييز ، ثم ضعف من أجل أنه معرفة .
والكوفيون يجيزون مجيء التمييز معرفة .
وقد خرجه بعضهم على أنه منصوب على التشبيه بالمفعول به ، نحو قولهم : مررت برجل حسن وجهه ، ومثله ما أنشد الكسائي رحمه الله تعالى :
وهذا التخريج هو على مذهب الكوفيين جائز ، وعلى مذهب المبرد ممنوع ، وعلى مذهب سيبويه جائز في الشعر لا في الكلام ، ويجوز أن ينتصب على البدل من اسم إن بدل بعض من كل ، ولا مبالاة بالفصل بين البدل والمبدل منه بالخبر ، لأن ذلك جائز .
وقد فصلوا بالخبر بين الصفة والموصوف ، نحو : زيد منطلق العاقل ، نص عليه سيبويه ، مع أن العامل في النعت والمنعوت واحد ، فأحرى في البدل ، لأن الأصح أن العامل فيه هو غير العامل في المبدل منه .
ونقل الزمخشري وغيره : أن ابن أبي عبلة قرأ : أثم قلبه ، بفتح الهمزة والثاء والميم وتشديد الثاء ، جعله فعلاً ماضياً .
وقلبه بفتح الباء نصباً على المفعول بأثم ، أي : جعله آثماً .
{ والله بما تعملون عليم } بما تعملون عام في جميع الأعمال ، فيدخل فيها كتمان الشهادة وأداؤها على وجهها .
وفي الجملة توعد شديد لكاتم الشهادة ، لأن علمه بها يترتب عليه المجازاة ، وإن كان لفظ العلم يعم الوعد والوعيد .
وقرأ السلمي : بما يعملون ، بالياء جرياً على قراءته ، و : لا يكتموا ، بالياء على الغيبة .
وقد تضمنت هذه الآية من ضروب الفصاحة .
التجنيس المغاير في قوله : إذا تداينتم بدين ، وفي قوله : وليكتب بينكم كاتب .
وفي قوله : ولا يأب كاتب أن يكتب .
وفي قوله : ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم .
وفي قوله واستشهدوا شهيدين من رجالكم .
والتجنيس المماثل في قوله : ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها .
والتأكيد في قوله : تداينتم بدين ، وفي قوله : وليكتب بينكم كاتب ، إذ يفهم من قوله : تداينتم ، قوله : بدين ، ومن قوله : فليكتب ، قوله : كاتب .
والطباق في قوله : أن تضل إحداهما فتذكر ، لأن الضلال هنا بمعنى النسيان .
والتشبيه في قوله : أن يكتب كما علمه الله .
والاختصاص في قوله : كاتب بالعدل .
وفي قوله : فليملل وليه بالعدل ، وفي قوله : أقسط عند الله وأقوم للشهادة .
وفي قوله : تجارة حاضرة تديرونها بينكم .
والتكرار في قوله : فاكتبوه وليكتب ، وأن يكتب كما علمه الله ، فليكتب ، ولا يأب كاتب ، وفي قوله : فليملل الذي عليه الحق ، فإن كان الذي عليه الحق .
كرر الحق للدّعاء إلى اتباعه ، وأتى بلفظة على للإعلام أن لصاحب الحق مقالاً واستعلاء ، وفي قوله : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى .
وفي قوله : واتقوا الله ، ويعلمكم الله ، والله .
والحذف في قوله : يا أيها الذين آمنوا ، حذف متعلق الإيمان .
وفي قوله : مسمى ، أي بينكم فليكتب الكاتب ، أن يكتب الكتاب كما علمه الله الكتابة والخط ، فليكتب كتاب الذي عليه الحق ما عليه من الدين ، وليتق الله ربه في املائه سفيهاً في الرأي أو ضعيفاً في البينة ، أو لا يستطيع أن يمل هو لخرس أو بكم فليملل الدين وليه على الكاتب ، واستشهدوا إذا تعاملتم من رجالكم المعينين للشهادة المرضيين ، فرجل مرضي وامرأتان مرضيتان من الشهداء المرضيين فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة ، ولا يأب الشهداء من تحمل الشهادة أو من أدائها عند الحاكم إذا ما دعوا أي دعائهم صاحب الحق للتحمل ، أو للأداء إلى أجله المضروب بينكم ، ذلكم الكتاب أقسط وأقوم للشهادة المرضية أن لا ترتابوا في الشهادة تديرونها بينكم ، ولا تحتاجون إلى الكتب والإشهاد فيها ، وأشهدوا إذا تبايعتم شاهدين ، أو رجلاً وامرأتين ، ولا يضارّ كاتب ولا شهيد أي صاحب الحق ، أو : لا يضار صاحب الحق كاتباً ولا شهيداً ، ثم حذف وبنى للمفعول ، وأن تفعلوا الضرر ، واتقوا عذاب الله ، ويعلمكم الله الصواب ، وإن كنتم على سبيل سفر ولم تجدوا كاتباً يتوثق بكتابته ، فالوثيقة رهن أمن بعضكم بعضاً ، فأعطاه مالاً بلا إشهاد ولا رهن أمانته من غير حيف ولا مطل ، وليتق عذاب الله ، ولا تكتموا الشهادة عن طالبها .
وتلوين الخطاب ، وهو الانتقال من الحضور إلى الغيبة ، في قوله : فاكتبوه ، وليكتب ، ومن الغيبة إلى الحضور في قوله : ولا يأب كاتب ، وأشهدوا .
ثم انتقل إلى الغيبة بقوله : ولا يضار ، ثم إلى الحضور بقوله : ولا تكمتوا الشهادة ، ثم إلى الغيبة بقوله : ومن يكتمها ، ثم إلى الحضور بقوله : بما تعملون .
والعدول من فاعل إلى فعيل ، في قوله : شهيدين ، ولا يضار كاتب ولا شهيد .
والتقديم والتأخير في قوله : فليكتب ، وليملل ، أو الإملال ، بتقديم الكتابة قبل ، ومن ذلك : ممن ترضون من الشهداء ، التقدير واستشهدوا ممن ترضون ، ومنه وأشهدوا إذا تبايعتم .
انتهى ما لخصناه مما ذكر في هذه الآية من أنواع الفصاحة .
وفيها من التأكيد في حفظ الأموال في المعاملات ما لا يخفي : من الأمر بالكتابة للمتداينين ، ومن الأمر للكاتب بالكتابة بالعدل ، ومن النهي عن الامتناع من الكتابة ، ومن أمره ثانياً بالكتابة ، ومن الأمر لمن عليه الحق بالإملال إن أمكن ، أو لوليه إن لم يمكنه ، ومن الأمر بالاستشهاد ، ومن الاحتياط في من يشهد وفي وصفه ، ومن النهي للشهود عن الامتناع من الشهادة إذا ما دعوا إليها ، ومن النهي عن الملل في كتابة الدين وإن كان حقيراً ، ومن الثناء على الضبط بالكتابة ، ومن الأمر بالإشهاد عند التبايع ، ومن النهي للكاتب والشاهد عن ضرار من يشهد له ويكتب ، ومن التنبيه على أن الضرار في مثل هذا هو فسوق ، ومن الأمر بالتقوى ، ومن الإذكار بنعمة التعلم ، ومن التهديد بعد ذلك ، ومن الاستيثاق في السفر وعدم الكاتب بالرهن المقبوض ، ومن الأمر بأداء أمانة من لم يستوثق بكاتب وشاهد ورهن ، ومن الأمر لمن استوثق بتقوى الله المانعة من الإخلال بالأمانة ، ومن النهي عن كتم الشهادة ، ومن التنبيه على أن كاتمها مرتكب الإثم ، ومن التهديد آخرها بقوله : { والله بما تعملون عليم } فانظر إلى هذه المبالغة والتأكيد في حفظ الأموال وصيانتها عن الضياع ، وقد قرنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنفوس والدماء ، فقال :
« من قتل دون ماله فهو شهيد » وقال : « إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم » ولصيانتها والمنع من إضاعتها ، ومن التبذير فيها كان حجر الإفلاس ، وحجر الجنون ، وحجر الصغر ، وحجر الرق ، وحجر المرض ، وحجر الإرتداد .