البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِ وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (25)

{ فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه } هذا تعجيب من حالهم ، واستعظام لعظم مقالتهم حين اختلفت مطامعهم ، وظهر كذب دعواهم ، إذ صاروا إلى عذاب ما لهم حيلة في دفعه ، كما قال تعالى : { تلك أمانيهم } هذا الكلام يقال عند التعظيم لحال الشيء ، فكيف إذا توفتهم الملائكة ؟ وقال الشاعر :

فكيف بنفس ، كلما قلت : أشرفت *** على البرء من دهماء ، هيض اندمالها

وقال :

فكيف ؟ وكلٌّ ليس يعدو حمامه *** وما لامرىء عما قضى الله مرحلُ

وانتصاب : فكيف ، قيل على الحال ، والتقدير : كيف يصنعون ؟ وقدره الحوفي : كيف يكون حالهم ؟ فإن أراد كان التامة كانت في موضع نصب على الحال ، وإن كانت الناقصة كانت في موضع نصب على خبر كان ، والأجود أن تكون في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف يدل عليه المعنى : التقدير : كيف حالهم ؟ والعامل في : إذا ، ذلك الفعل الذي قدره ، والعامل في : كيف ، إذا كانت خبراً عن المبتدأ إن قلنا إن انتصابها انتصاب الظروف ، وإن قلنا إنها اسم غير ظرف ، فيكون العامل في : إذا ، المبتدأ الذي قدرناه ، أي : فكيف حالهم في ذلك الوقت ؟ وهذا الاستفهام لا يحتاج إلى جواب ، وكذا أكثر استفهامات القرآن ، لأنها من عالم الشهادة ، وإنما استفهامه تعالى تقريع .

واللام ، تتعلق : بجمعناهم ، والمعنى : لقضاء يوم وجزائه كقوله :

{ إنك جامع الناس ليوم } قال النقاش : اليوم ، هنا الوقت ، وكذلك : { أياماً معدودات } و { في يومين } و { في أربعة أيام } إنما هي عبارة عن أوقات ، فإنما الأيام والليالي عندنا في الدنيا .

وقال ابن عطية : الصحيح في يوم القيامة أنه يوم ، لأنه قبله ليلة وفيه شمس .

ومعنى : { لا ريب فيه } أي في نفس الأمر ، أو عند المؤمن ، أو عند المخبر عنه ، أو حين يجمعهم فيه ، أو معناه : الأمر خمسة أقوال .

/خ27