الطين : معروف ، ويقال طانه الله على كذا ، وطامه بابدال النون ميماً ، جبله وخلقه على كذا ، ومطين لقب لمحدث معروف .
الهيئة : الشكل والصورة ، وأصله مصدر يقال : هاء الشيء بهاء هيأ وهيئة إذا ترتب واستقر على حال مّا ، وتعديه بالتضعيف ، فتقول : هيأته ، قال
الإبراء : إزالة العلة والمرض ، يقال : برىء الرجل وبرأ من المرض ، وأما من الذنب ومن الدّين فبريء .
الكمه : العمى يولد به الإنسان وقد يعرض ، يقال : كمه يكمه كمهاً : فهو أكمه .
وكمهتها أنا أعميتها قال سويد : .
البرص : داء معروف وهو بياض يعتري الجلد ، يقال منه : برص فهو أبرص ، ويسمى القمر أبرص لبياضه ، والوزغ سام أبرص للبياض الذي يعلو جلده .
ذخر : الشيء يذخره خبأه ، والذخر المذخور قال :
{ ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم } اختلفوا في : رسولاً ، هنا فقيل : هو وصف بمعنى المرسل على ظاهر ما يفهم منه وقيل : هو مصدر بمعنى رسالة ، إذ قد ثبت أن رسولاً يكون بمعنى رسالة ، وممن جوز ذلك فيه هنا الحوفي ، وأبو البقاء ، وقالا : هو معطوف على الكتاب ، أي : ويعلمه رسالة إلى بني إسرائيل ، فتكون : رسالة ، داخلاً في ما يعلمه الله عيسى .
وأجاز أبو البقاء في هذا الوجه أن يكون مصدراً في موضع الحال .
وأما الوجه الأول فقالوا في إعرابه ، وجوها .
أحدها : أن يكون منصوباً بإضمار فعل تقديره : ويجعله رسولاً إلى بني إسرائيل ، قالوا : فيكون مثل قوله :
يا ليت زوجك قد غدا *** متقلداً سيفاً ورمحاً
لما لم يمكن تشريكه مع المنصوبات قبله في العامل الذي هو : يعلمه ، أضمر له فعل ناصب يصح به المعنى ، قاله ابن عطية وغيره .
الثاني : أن يكون معطوفاً على : ويعلمه ، فيكون : حالاً ، إذ التقدير : ومعلماً الكتاب ، فهذا كله عطف بالمعنى على قوله : وجيهاً ، قاله الزمخشري ، وثنى به ابن عطية ، وبدأ به وهو مبني على إعراب : ويعلمه وقد بينا ضعف إعراب من يقول : إن : ويعلمه ، معطوف على : وجيهاً ، للفصل المفرط بين المتعاطفين .
الثالث : أن يكون منصوباً على الحال من الضمير المستكن في : ويكلم ، فيكون معطوفاً على قوله : وكهلاً ، أي : ويكلم الناس طفلاً وكهلاً ورسولاً إلى بني إسرائيل ، قاله ابن عطية ، وهو بعيد جداً لطول الفصل بين المتعاطفين .
الرابع : أن تكون الواو زائدة ، ويكون حالاً من ضمير : ويعلمه ، قاله الأخفش ، وهو ضعيف لزيادة الواو ، لا يوجد في كلامهم : جاء زيد وضاحكاً ، أي : ضاحكاً .
الخامس : أن يكون منصوباً على إضمار فعل من لفظ رسول ، ويكون ذلك الفعل معمولاً لقول من عيسى ، التقدير : وتقول أرسلت رسولاً إلى بني إسرائيل ، واحتاج إلى هذا التقدير كله ، لقوله : { أني قد جئتكم } وقوله : { ومصدقاً لما بين يدي } ، إذ لا يصح في الظاهر حمله على ما قبله من المنصوبات لاختلاف الضمائر ، لأن ما قبله ضمير غائب ، وهذان ضميرا متكلم ، فاحتاج إلى هذا الإضمار لتصحيح المعنى .
قاله الزمخشري ، وقال : هو من المضايق ، يعني من المواضع التي فيها إشكال .
وهذا الوجه ضعيف ، إذ فيه إضمار القول ومعموله الذي هو : أرسلت ، والاستغناء عنهما باسم منصوب على الحال المؤكدة ، إذ يفهم من قوله : وأرسلت ، أنه رسول ، فهي على هذا التقدير حال مؤكدة .
فهذه خمسة أوجه في إعراب : ورسولاً ، أولاها الأول ، إذ ليس فيه إلاَّ إضمار فعل يدل عليه المعنى ، أي : ويجعله رسولاً ، ويكون قوله { أني قد جئتكم } معمولاً لرسول ، أي ناطقاً بأني قد جئتكم ، على قراءة الجمهور ، ومعمولاً لقول محذوف على قراءة من كسر الهمزة ، وهي قراءة شاذة ، أي : قائلاً إني قد جئتكم ، ويحتمل أن يكون محكياً بقوله : ورسولاً ، لأنه في معنى القول ، وذلك على مذهب الكوفيين .
وقرأ اليزيدي : ورسولٍ ، بالجر ، وخرجه الزمخشري على أنه معطوف على : بكلمة منه ، وهي قراءة شاذة في القياس لطول البعد بين المعطوف عليه والمعطوف .
وأرسل عيسى إلى بني إسرائيل مبيناً حكم التوراة ، وداعياً إلى العمل بها ، ومحللاً أشياء مما حرم فيها : كالثروب ، ولحوم الإبل ، وأشياء من الحيتان .
والطير ، وكان عيسى قد هربت به أمّه من قومها إلى مصر حين عزلوا أولادهم ، ونهوهم عن مخالطته ، وحبسوهم في بيت ، فجاء عيسى يطلبهم فقالوا : ليسوا ها هنا ، فقال ما في هذا البيت ؟ قالوا : خنازير ، قال : كذلك يكونون ، ففتحوا عنهم فإذا هم خنازير .
ففشا ذلك في بني إسرائيل ، فهموا به ، فهربت به أمّه إلى أرض مصر .
فلما بلغ اثنتي عشرة سنة أوحى الله إليها : أن انطلقي إلى الشام ، ففعلت حتى إذا بلغ ثلاثين سنة جاءه الوحي على رأس الثلاثين ، فكانت نبوّته ثلاث سنين ، ثم رفعه الله إليه .
وكأن أول أنبياء بني إسرائيل : يوسف ، وقيل : موسى ، وآخرهم عيسى .
والظاهر أن قوله : { أني قد جئتكم بآية } إلى قوله { مستقيم } متعلق بقوله { ورسولاً إلى بني إسرائيل } ومعمول له ، فيكون ذلك مندرجاً تحت القول السابق .
والخطاب لمريم بقوله : قال كذلك الله ، فتكون مريم قد بشرت بأشياء مما يفعلها الله لولدها عيسى : من تعليمه ما ذكر ، ومن جعله رسولاً ناطقاً بما يكون منه إذا أرسل : من مجيئه بالآيات ، وإظهار الخوارق على يديه ، وغير ذلك مما ذكر إلى قوله : مستقيم .
وقيل : قوله : فلما أحس ، محذوف يدل عليه وتضطر إلى تقديره ، المعنى ، تقديره : فجاء عيسى بني إسرائيل ورسولاً ، فقال لهم ما تقدّم ذكره ، وأتى بالخوارق التي قالها ، فكفروا به وتمالأوا على قتله وإذايته ، فلما أحس عيسى منهم الكفر .
وقيل : يحتمل أن يكون الكلام تم عند قوله { ورسولاً إلى بني إسرائيل } ولا يكون { اني قد جئتكم } متعلقاً بما قبله ، ولا داخلاً تحت القول والخطاب لمريم ، ويكون المحذوف هنا : لا بعد قوله : مستقيم ، والتقدير : فجاء عيسى كما بشر الله رسولاً إلى بني إسرائيل بأني قد جئتكم بآية من ربكم .
وقرأ الجمهور : بأنه ، على الإفراد ، وكذلك في { وجئتكم بآية من ربكم } وفي مصحف عبد الله : بآيات ، على الجمع في الموضعين .
ويجوز أن يكون : من ربكم ، في موضع الصفة ، لأنه يتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يتعلق : بجئتكم ، أي : جئتكم من ربكم بآية .
{ أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله } قرأ الجمهور : أني أخلق ، بفتح الهمزة على أن يكون بدلاً من : آية ، فيكون في موضع جر ، أو بدلاً من قوله : أني قد جئتكم ، فيكون في موضع نصب أو جر على الخلاف ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هي ، أي : الآية أني أخلق ، فيكون في موضع رفع .
وقرأ نافع بالكسر على الاستئناف ، أو على إضمار القول ، أو على التفسير للآية .
كما فسر المثل في قوله : { كمثل آدم } بقوله : { خلقه من تراب } ومعنى : أخلق : أقدّر وأهيء ، والخلق يكون بمعنى الإنشاء وإبراز العين من العدم الصرف إلى الوجود .
وهذا لا يكون إلاَّ لله تعالى .
ويكون بمعنى : التقدير والتصوير ، ولذلك يسمون صانع الأديم ونحوه : الخالق ، لأنه يقدّر ، وأصله في الإجرام ، وقد نقلوه إلى المعاني قال تعالى { وتخلقون إفكاً } ومما جاء الخلق فيه بمعنى التقدير قوله تعالى : { فتبارك الله أحسن الخالقين } أي المقدّرين .
ولأنت تَفْرِي ما خَلَقْتَ *** وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
واللام في : لكم ، معناها التعليل ، و : من الطين ، تقييد بأنه لا يوجد من العدم الصرف ، بل ذكر المادة التي يشكل منها صورة .
وقرأ الجمهور : كهيئة ، على وزن : حيئة ، وقرأ الزهري : كهية ، بكسر الهاء وياء مشددة مفتوحة بعدها تاء التأنيث ، و : الكاف ، من : كهيئة ، اسم على مذهب أبي الحسن ، فهي مفعولة : بأخلق ، وعلى قول الجمهور : يكون ، صفة لمفعول محذوف تقديره : هيئة مثل هيئة ، ويكون : هيئة ، مصدراً في معنى المفعول ، أي : مثالاً مهيأً مثل .
وقرأ الجمهور : الطير ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : كهيئة الطائر ، والمراد به الجنس : فأنفخ فيه الضمير في : فيه ، يعود على : الكاف ، أو على موصوفها على القولين المذكورين .
وقرأ بعض القراء : فأنفخها ، أعاد الضمير على الهيئة المحذوفة ، إذ يكون التقدير : هيئة كهيئة الطير ، أو : على الكاف على المعنى ، إذ هي بمعنى : مماثلة هيئة الطير ، فيكون التأنيث هنا كما هو في المائدة في قوله : { فتنفخ فيها } ويكون في هذه القراءة قد حذف حرف الجرّ .
ما شق جيب ولا قامتك نائحة *** ولا بكتك جياد عند إسلاب
يريد : ولا قامت عليك ، وهي قراءة شاذة نقلها الفراء .
كالهبرقيّ تنحَّى ينفخ الفحما *** فعدى : نفخ ، لمنصوب ، فيمكن أن يكون على إسقاط حرف الجر ، ويمكن أن يكون على التضمين ، أي : يضرم بالنفخ الفحم ، فيكون هنا ناقصة على بابها ، أو بمعنى : تصير .
وقرأ نافع ويعقوب هنا وفي المائدة : طائراً ، وقرأ الباقون : طيراً ، وانتصابه على أنه خبر : يكون ، ومن جعل : يكون ، هنا تامّة ، و : طائراً ، حالاً فقد أبعد .
وتعلق بإذن الله ، قيل : بيكون .
وقيل : بطائر ، ومعنى : بإذن الله ، أي بتمكينه وعلمه بأني أفعل ، وتعاطي عيسى التصوير بيده والنفخ في تلك الصورة تبيين لتلبسه بالمعجزة ، وتوضيح أنها من قبله ، وأما خلق الحياة في تلك الصورة الطينية فمن الله وحده .
وظاهر الآية يدل على أن خلقه لذلك لم يكن باقتراح منهم ، بل هذه الخوارق جاءت تفسيراً لقوله : { أني قد جئتكم بآية من ربكم } وقيل : كان ذلك باقتراح منهم ، طلبوا منه أن يخلق لهم خفاشاً على سبيل التعنت جرياً على عاداتهم مع أنبيائهم ، وخصوا الخفاش لأنه عجيب الخلق ، وهو أكمل الطير خلقاً ، له : ثدي ، وأسنان ، وآذان ، وضرع ، يخرج منه اللبن ، ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل ، إنما يرى في ساعتين : بعد غروب الشمس ساعة ، وبعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يسفر جداً ، ويضحك كما يضحك الإنسان ، ويطير بغير ريش ، وتحيض أنثاه وتلد .
روي عن أبي سعيد الخدري : أنه قال لهم : ماذا تريدون ؟ قالوا : الخفاش .
فسألوه أشد الطير خلقاً لأنه يطير بغير ريش ، ويقال : ما صنع غير الخفاش ، ويقال : فعل ذلك أولاً وهو مع معلمه في الكتاب ، وتواطأ النقل عن المفسرين أن الطائر الذي خلقه عيسى كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه ، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتاً ليتميز فعل المخلوق من فعل الخالق ، وكان بنو إسرائيل مع معاينتهم لذلك الطائر يطير يقولون في عيسى : هذا ساحر .
{ وأبرئ الأكمه والأبرص } تقدّم تفسيرهما في المفردات .
وقال مجاهد : الأكمه هو الأعشى .
وقال الزمخشري : هو الذي ولد أعمى .
وقيل : هو الممسوح العين ، ولم يكن في هذه الأمة أكمه غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير .
وقال ابن عباس ، والحسن ، والسدّي : هو الأعمى على الإطلاق .
وحكى النقاش : أن الأكمه هو الأبكم الذي لا يفهم ولا يُفهم ، الميت الفؤاد ، وقال ابن عباس أيضاً ، وقتادة : هو الذي يولد أعمى مضموم العينين .
قيل : وقد كان عيسى يبرىء بدعائه ، والمسح بيده ، كل علة .
ولكن لا يقوم الحجة على بني إسرائيل في معنى النبوة إلاَّ بالإبراء من العلل التي يعجز عن إبرائها الأطباء ، حتى يكون فعله ذلك خارقاً للعادات .
والإبراء من العشي والعمش ليس بخارق ، وأما العمى فالأبلغ الإبراء من عمى الممسوح العين .
روي أنه ربما اجتمع عليه خمسون ألفاً من المرضى ، من أطاق منهم أتاه ، ومن لم يطق أتاه عيسى ، وما كانت مداواته إلاَّ بالدعاء وحده ، وخص بالذكر الكمه والبرص لأنهما داآن معضلان لا يقدر على الإبراء منهما ، إلاَّ الله تعالى ، وكان الغالب على زمان عيسى الطب ، فأراهم الله المعجزة في جنس علمهم ، كما أرى قوم موسى ، إذ كان الغالب عليهم السحر ، المعجزة بالعصا واليد البيضاء ، وكما أرى العرب ، إذ كان الغالب عليهم البلاغة ، المعجزة بالقرآن .
روي أن جالينوس كان في زمان عيسى ، وأنه رحل إليه من رومية إلى الشام ليلقاه ، فمات في طريقه .
{ وأحيي الموتى بإذن الله } نقل أئمة التفسير أنه أحيا أربعة : عاذر ، وكان صديقاً له ، بعد ثلاثة أيام .
فقام من قبره يقطر ودكه ، وبقي إلى أن ولد له .
و : ابن العجوز ، وهو على سريره ، فنزل عن أعناق الرجال وحمل سريره وبقي إلى أن ولد له ، و : بنت العاشر ، متعت بولدها بعد ما حييت ، وسألوه أن يحيى سام بن نوح ليخبرهم عن حال السفينة ، فخرج من قبره فقال : أَقَدْ قامت الساعة ؟ وقد شاب نصف رأسه ، وكان شاباً ابن خمسمائة ، فقال : شيبني هول يوم القيامة .
وروي أنه في إحيائه الموتى كان يضرب بعصاه الميت ، أو القبر ، أو الجمجمة ، فيحيي الإنسان ويكلمه ويعيش .
وروي عن الزهري أنه قال : بلغني أن عيسى خرج هو ومن معه من حوارييه حتى بلغ الأندلس ، وذكر قصة فيها طول ، مضمونها : أنه أحيا بها ميتاً ، وسألوه فإذا هو من قوم عاد .
ووردت قصص في إحياء خلق كثير على يد عيسى ، وذكروا أشياء مما كان يدعو بها إذا أحيا ، الله أعلم بصحتها .
{ وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم } قال السدّي ، وابن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، وابن إسحاق : كان عيسى من لدن طفوليته ، وهو في الكتاب يخبر الصبيان بما يفعل آباؤهم ، وبما يؤكل من الطعام ، وما يدخر إلى أن نبىء ، ويقول لمن سأله : أكلت البارحة كذا ، وادّخرت .
وقيل : كان ذلك بعد النبوة لما أحيا لهم الموتى ، طلبوا منه آية أخرى ، وقالوا : أخبرنا بما نأكل وما ندّخر للغد ، فأخبرهم .
وقال قتادة : كان ذلك في نزول المائدة ، عهد إليهم أن يأكلوا منها ولا يخبأوا ولا يدخروا ، فخالفوا ، فكان عيسى يخبرهم بما أكلوه وما ادّخروا في بيوتهم ، وعوقبوا على ذلك .
وأتى بهذه الخوارق الأربع مصدرة بالمضارع الدال على التجدد ، والحالة الدائمة : وبدأ بالخلق إذ هو أعظم في الإعجاز ، وثنى بإبراء الأكمه والأبرص ، وأتى ثالثاً بإحياء الموتى ، وهو خارق شاركه فيه غيره بإذن الله تعالى ، وكرر : بإذن الله ، دفعاً لمن يتوهم فيه الالُوهية ، وكان ، بإذن الله ، عقب قوله : أني أخلق ، وعطف عليه : وأبرىء الأكمه والأبرص ، ولم يذكر : بإذن الله ، اكتفاء به في الخارق الأعظم ، وعقب قوله : وأحيي الموتى ، بقوله : بإذن الله ، وعطف عليه : وأنبئكم ، ولم يذكر فيه ، بإذن الله ، لأن إحياء الأموات أعظم من الإخبار بالمغيبات ، فاكتفى به في الخارق الأعظم أيضاً ، فكل واحد من الخارقين الأعظمين قيد بقوله : بإذن الله ، ولم يحتج إلى ذلك فيما عطف عليهما اكتفاء بالأول إذ كل هذه الخوارق لا تكون إلا بإذن الله .
و : ما ، في : ما تأكلون وما تدخرون ، موصولة اسمية ، وهو الظاهر .
وقرأ الجمهور : تدخرون ، بدال مشددة ، وأصله : إذتخر ، من الذخر ، أبدلت التاء دالاً ، فصار : إذدخر ، ثم أدغمت الذال في الدال ، فقيل : ادّخر ، كما قيل : ادكره .
وقرأ مجاهد ، والزهري ، وأيوب السختياني ، وأبو السمال : تذخرون ، بذال ساكنة وخاء مفتوحة .
وقرأ أبو شعيب السوسي ، في رواية عنه : وما تذدخرون ، بذال ساكنة ودال مفتوحة من غير إدغام ، وهذا الفك جائز .
وقراءة الجمهور بالإدغام أجود ، ويجوز جعل بالدال ذالاً ، والإدغام فتقول : اذخر ، بالذال المعجمة المشددة .
{ إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } ظاهر هذه الجملة أنها من كلام عيسى لاحتفافها بكلامه من قبلها ومن بعدها ، حكاه الله عنه .
وقيل : هو من كلام الله تعالى ، استئناف صيغته صيغة الخبر ، ومعناه التوبيخ والتقريع ، وأشير بذلك إلى ما تقدم من جعل الطين طائراً ، والإبراء والإحياء والإنباء .
وتقدم أن في مصحف ابن مسعود : آيات ، على الجمع ، فمن أفرد أراد الجنس وهو صالح للقليل والكثير ، ويعين المراد القرائن : اللفظية ، والمعنوية ، والحالية ، ومن جمع فعلى الأصل ، إذ هي : آيات ، وهي : آية في نفسها ، آمنوا أو كفروا ، فيحتمل أن يكون ثَمَّ صفة محذوفة حتى يتجه التعليق بهذا الشرط ، أي : لآية نافعة هادئة لكم إن آمنتم ، ويكون خطاباً لمن لم يؤمن بعد ، وإن كان خطاباً لم آمن فذلك على سبيل التثبيت وتطمين النفس وهزها .
كما تقول لإبنك : أطعني إن كنت إبني ، ومعلوم أنه ابنك ، ولكن تريد أن تهزه بذكر ما هو محقق .