البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَامِنَّآ إِلَّا لَهُۥ مَقَامٞ مَّعۡلُومٞ} (164)

{ وما منا } : أي أحد ، { إلا له مقام معلوم } : أي مقام في العبادة والانتهاء إلى أمر الله ، مقصور عليه لا يتجاوزه .

كما روي : فمنهم راكع لا يقيم ظهره ، وساجد لا يرفع رأسه ، وهذا قول الملائكة ، وهو يقوي قول من جعل الجنة هم الملائكة تبرؤا عن ما نسب إليهم الكفرة من كونهم بنات الله ، وأخبروا عن حال عبوديتهم ، وعلى أي حالة هم فيها .

وفي الحديث : « أن السماء ما فيها موضع إلا وفيه ملك ساجد أو واقف يصلي » ، وعن ابن مسعود : « موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه » ، وحذف المبتدإ مع من جيد فصيح ، كما مر في قوله : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنون } أي وأن من أهل الكتاب أحد .

وقال العرب : منا ظعن ومنا أقام ، يريد : منا فريق ظعن ومنا فريق أقام .

وقال الزمخشري : وما منا أحد إلا له مقام معلوم ، حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه ، كقوله :

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا *** بكفي كان من أرمي البشر

انتهى .

وليس هذا من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، لأن أحداً المحذوف مبتدأ .

وإلا له مقام معلوم خبره ، ولأنه لا ينعقد كلام من قوله : وما منا أحد ، فقوله : { إلا له مقام معلوم } هو محط الفائدة .

وإن تخيل أن { إلا له مقام معلوم } في موضع الصفة ، فقد نصوا على أن إلا لا تكون صفة إذا حذف موصوفها ، وأنها فارقت غير إذا ؛ كانت صفة في ذلك ، ليتمكن غيره في الوصف وقلة تمكن إلا فيه ، وجعل ذلك كقوله : أنا ابن جلا ، أي ابن رجل جلا ؛ وبكفي كان ، أي رجل كان ، وهذا عند النحويين من أقبح الضرورات .