اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَامِنَّآ إِلَّا لَهُۥ مَقَامٞ مَّعۡلُومٞ} (164)

قوله : { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } فيه وجهان :

أحدهما : أن «منا » صفة لموصوف محذوف فهو مبتدأ والخبر الجملة من قوله : { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } تقديره : ما أحدٌ مِنَّا إلاَّ له مقام ، وحَذْفُ المبتدأ مع «مِنْ » جَيِّدٌ فصيحٌ .

والثاني : أن المبتدأ محذوف أيضاً و «إلاَّ لَهُ مَقَامٌ » صفة حذف موصوفها والخبر على هذا هو الجار المتقدم والتقدير : «وما منَّا أحدٌ إلاَّ لَهُ مَقَامٌ » . قال الزمخشري : حذف الموصوف وأقام الصِّفَةَ مُقَامَهُ كقوله :

أَنَا ابْنُ جَلاَ وَطَلاَّعُ الثَّنَايَا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقوله :

يَرْمِي بِكَفّي كَانَ مِنْ أرْمى البَشَر . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ورده أبو حيان فقال : «ليس هذا من حذف الموصوف وإقامة الصفة مُقَامَهُ ، لأن المحذوف مبتدأ و «إلاَّ لَهُ مَقَامٌ » خبره ولأنه لا ينعقد كَلاَمٌ من قوله : «وَمَا مِنَّا أَحَدٌ » ، وقوله : «إلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ » محط الفائدة وإن تخيل أن «له مقام معلوم » في موضع الصفة فقد نَصُّوا على أنَّ «إلاَّ » لا تكون صفة إذا حذف موصوفها وأنها فارقت «غَيْراً » إذا كانت صفة في ذلك لِتَمَكُّنِ «غَيْرٍ » في الوصف وعدم تمكن «إلاَّ » فيه ؛ وجعل ذلك كقوله : «أَنَا بْنُ جَلاَ » أي أنا ابن رَجُلٍ جَلا ، و «بكفي كان » أي رَجُلٍ كان فقد عده النَّحويُّونَ من أقبح الضرائر ، حيث حذف الموصوف والصفة جملة لم يتقدمها مِنْ بِخلاف قوله : «مِنَّا ظَعَنَ وَمِنَّا أَقَامَ » . . . يريدون : منَّا فريقٌ ظعَنَ ، ومنا فريق أقام ، وقد تقدم نحوٌ من هذا في النِّسَاء عند قوله : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } [ النساء : 159 ] .

وهذا الكلام وما بعده ظاهره أنه من كلام الملائكة ، وقيل : من كلام الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم .

فصل

قال المفسرون : يقول جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : «وَمَا مِنَّا مَعْشَرَ الْمَلاَئِكَةِ إلاَّ له مقام معلوم » أي ما منا ملك إلا له مقام معلوم في السموات يعبد الله فيه . قال ابن عباس : «ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يُسَبِّح » ، وقال - عليه ( الصلاة و ) السلام- : «أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا فيهَا مَوْضِعُ أرْبَعَةِ أَصَابعَ إلاَّ وَفِيهِ مَلَكٌ وَاضِعٌ جَبَهَتَهُ سَاجِدٌ لله » . وقال السُّدِّيُّ : إلاَّ له مقام معلوم في القُرْبَة والمشاهدة .