البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

قالت قريش : لئن لم ينته محمد عن تعييب آلهتنا وتعيينا ، لنسلطها عليه فتصيبه بخبل وتعتريه بسوء ، فأنزل الله : { أليس الله بكاف عبده } : أي شر من يريده بشر ، والهمزة الداخلة على النفي للتقرير ، أي هو كاف عبده ، وفي إضافته إليه تشريف عظيم لنبيه .

وقرأ الجمهور : عبده ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقرأ أبو جعفر ، ومجاهد ، وابن وثاب ، وطلحة ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي : عباده بالجمع ، أي الأنبياء والمطيعين من المؤمنين ؛ { ويخوفونك بالذين من دونه } : وهو الأصنام .

ولما بعث خالداً إلى كسر العزى ، قال له سادنها : إني أخاف عليك منها ، فلها قوة لا يقوم لها شيء .

فأخذ خالد الفأس ، فهشم به وجهها ثم انصرف .

وفي قوله : { ويخوفونك } ، تهكم بهم لأنهم خوفوه بما لا يقدر على نفع ولا ضرر .

ونظير هذا التخويف قول قوم هو دله : { إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } وقرىء : { بكافي عبده } على الإضافة ، ويكافي عباده مضارع كفى ، ونصب عباده فاحتمل أن يكون مفاعلة من الكفاية ، كقولك : يجازي في يجزي ، وهو أبلغ من كفى ، لبنائه على لفظ المبالغة ، وهو الظاهر لكثرة تردّد هذا المعنى في القرآن ، كقوله : { فسيكفيكم الله } ويحتمل أن يكون مهموزاً من المكافأة ، وهي المجازاة ، أي يجزيهم أجرهم .