البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

{ إنما وليكم الله ورسوله } لما نهاهم عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ، بيّن هنا من هو وليهم ، وهو الله ورسوله .

وفسر الولي هنا بالناصر ، أو المتولي الأمر ، أو المحب .

ثلاثة أقوال ، والمعنى : لا وليّ لكم إلا الله .

وقال : وليكم بالأفراد ، ولم يقل أولياؤكم وإن كان المخبر به متعدداً ، لأن ولياً اسم جنس .

أو لأنّ الولاية حقيقة هي لله تعالى على سبيل التأصل ، ثم نظم في سلكه من ذكر على سبيل التبع ، ولو جاء جمعاً لم يتبين هذا المعنى من الأصالة والتبعية .

وقرأ عبد الله : مولاكم الله .

وظاهر قوله : والذين آمنوا ، عموم من آمن من مضى منهم ومن بقي قاله الحسن .

وسئل الباقر عمن نزلت فيه هذه الآية ، أهو على ؟ فقال : عليّ من المؤمنين .

وقيل : الذين آمنوا هو عليّ رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل ، ويكون من إطلاق الجمع على الواحد مجازاً .

وقيل ابن سلام وأصحابه .

وقيل : عبادة لما تبرأ من حلفائه اليهود .

وقيل : أبو بكر رضي الله عنه ، قاله عكرمة .

{ والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } هذه أوصاف ميز بها المؤمن الخالص الإيمان من المنافق ، لأن المنافق لا يدوم على الصلاة ولا على الزكاة .

قال تعالى : { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } وقال تعالى : { أشحة على الخير } ولما كانت الصحابة وقت نزول هذه الآية من مقيمي صلاة ومؤتي زكاة ، وفي كلتا الحالتين كانوا متصفين بالخضوع لله تعالى والتذلل له ، نزلت الآية بهذه الأوصاف الجليلة .

والركوع هنا ظاهره الخضوع ، لا الهيئة التي في الصلاة .

وقيل : المراد الهيئة ، وخصت بالذكر لأنها من أعظم أركان الصلاة ، فعبر بها عن جميع الصلاة ، إلا أنه يلزم في هذا القول تكرير الصلاة لقوله : يقيمون الصلاة .

ويمكن أن يكون التكرار على سبيل التوكيد لشرف الصلاة وعظمها في التكاليف الإسلامية .

وقيل : المراد بالصلاة هنا الفرائض ، وبالركوع التنفل .

يقال : فلان يركع إذا تنفل بالصلاة .

وروي أنّ علياً رضي الله عنه تصدّق بخاتمه وهو راكع في الصلاة .

والظاهر من قوله : وهم راكعون ، أنها جملة اسمية معطوفة على الجمل قبلها ، منتظمة في سلك الصلاة .

وقيل : الواو للحال أي : يؤتون الزكاة وهم خاضعون لا يشتغلون على من يعطونهم إياها ، أي يؤتونها فيتصدقون وهم ملتبسون بالصلاة .

وقال الزمخشري .

( فإن قلت ) : الذين يقيمون ما محله ؟ ( قلت ) : الرفع على البدل من الذين آمنوا ، أو على هم الذين يقيمون انتهى .

ولا أدري ما الذي منعه من الصفة إذ هو المتبادر إلى الذهن ، لأن المبدل منه في نية الطرح ، وهو لا يصح هنا طرح الذين آمنوا لأنه هو الوصف المترتب عليه صحة ما بعده من الأوصاف .