البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

{ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } : الظاهر أن الإنسان يشمل المؤمن والكافر ، وأن الحصر في السعي ، فليس له سعي غيره ، وقال عكرمة : كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى ، وأما هذه الأمّة فلها سعي غيرها ، يدل عليه حديث سعد بن عبادة : هل لأمي ، إن تطوعت عنها ؟ قال : نعم .

وقال الربيع : الإنسان هنا الكافر ، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره .

وسأل والي خراسان عبد الله بن طاهر الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله : { والله يضاعف لمن يشاء } فقال : ليس له بالعدل إلا ما سعى ، وله بالفضل ما شاء الله ، فقبل عبد الله رأس الحسين .

وما روي عن ابن عباس أنها منسوخة لا يصح ، لأنه خبر لم يتضمن تكليفاً ؛ وعند الجمهور : إنها محكمة .

قال ابن عطية : والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو اللام من قوله : { للإنسان } .

فإذا حققت الذي حق الإنسان أن يقول فيه لي كذا ، لم تجده إلا سعيه ، وما تم بعد من رحمة بشفاعة ، أو رعاية أب صالح ، أو ابن صالح ، أو تضعيف حسنات ، أو تعمد بفضل ورحمة دون هذا كله ، فليس هو للإنسان ، ولا يسعه أن يقول لي كذا وكذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو حقيقة .

واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته ببدن أو مال ، وفرق بعض العلماء بين البدن والمال . انتهى .