البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (45)

{ فقطع دابر القوم الذين ظلموا } عبارة عن استئصالهم بالهلاك والمعنى : فقطع دابرهم ونبه على سبب الاستئصال بذكر الوصف الذي هو الظلم ، وهو هنا الكفر والدابر التابع للشيء من خلفه يقال : دبر الوالد الولد يدبره ، وفلان دبر القوم دبوراً ودبراً إذا كان آخرهم .

وقال أمية بن أبي الصلت :

فاستؤصلوا بعذاب خص دابرهم *** فما استطاعوا له صرفاً ولا انتصروا

قال أبو عبيدة : { دابر القوم } آخرهم الذي يدبرهم .

وقال الأصمعي : الدابر الأصل يقال : قطع الله دابره أي أذهب أصله ، وقرأ عكرمة { فقطع دابر } بفتح القاف والطاء والراء أي فقطع الله وهو التفات إذ فيه الخروج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب .

{ والحمد لله رب العالمين } قال الزمخشري : إيذان بوجوب الحمد لله عند هلاك الظلمة وأنه من أجل النعم وأجزل القسم ؛ انتهى .

والذي يظهر أنه تعالى لما أرسل إلى هؤلاء الأمم كذبوهم وآذوهم فابتلاهم الله تارة بالبلاء ، وتارة بالرخاء فلم يؤمنوا فأهلكهم واستراح الرسل من شرهم وتكذيبهم وصار ذلك نعمة في حق الرسل إذ أنجز الله وعده على لسانهم بهلاك المكذبين فناسب هذا الفعل كله الختم بالحمدلة .