البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{بَلۡ إِيَّاهُ تَدۡعُونَ فَيَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَيۡهِ إِن شَآءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ} (41)

{ بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون } { إياه } ضمير نصب منفصل وتقدم الكلام عليه في قوله :

{ إياك نعبد } مستوفى .

وقال ابن عطية : هنا { إياه } اسم مضمر أجري مجرى المظهرات في أنه يضاف أبداً ؛ انتهى ، وهذا مخالف لمذهب سيبويه ، لأن مذهب سيبويه إن ما اتصل بأياً من دليل تكلم أو خطاب أو غيبة وهو حرف لا اسم أضيف إليه أياً لأن المضمر عنده لا يضاف لأنه أعرف المعارف ، فلو أضيف لزم من ذلك تنكره حتى يضاف ويصير إذ ذاك معرفة بالإضافة لا يكون مضمراً وهذا فاسد ، ومجيئه هنا مقدماً على فعله دليل على الاعتناء بذكر المفعول وعند الزمخشري إن تقديمه دليل على الحصر والاختصاص ، ولذلك قال : بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة ، والاختصاص عندنا والحصر فهم من سياق الكلام لا من تقديم المفعول على العامل و { بل } هنا للإضراب والانتقال من شيء إلى شيء من غير إبطال لما تضمنه الكلام السابق من معنى النفي لأن معنى الجملة السابقة النفي وتقديرها ما تدّعون أصنامكم لكشف العذاب وهذا كلام حق لا يمكن فيه الإضراب يعني الإبطال ، و { ما } من قوله { ما تدعون } الأظهر أنها موصولة أي فيكشف الذي تدعون .

قال ابن عطية : ويصح أن تكون ظرفية ؛ انتهى .

ويكون مفعول يكشف محذوفاً أي فيكشف العذاب مدة دعائكم أي ما دمتم داعيه وهذا فيه حذف المفعول وخروج عن الظاهر لغير حاجة ، ويضعفه وصل { ما } الظرفية بالمضارع وهو قليل جدًّا إنما بابها إن توصل بالماضي تقول ألا أكلمك ما طلعت الشمس ولذلك علة ، أما ذكرت في علم النحو ، قال ابن عطية : ويصح أن تكون مصدرية على حذف في الكلام .

وقال الزجاج : وهو مثل { واسأل القرية } انتهى .

ويكون تقدير المحذوف فيكشف موجب دعائكم وهو العذاب ، وهذه دعوى محذوف غير متعين وهو خلاف الظاهر والضمير في { إليه } عائد على { ما } الموصولة أي إلى كشفه ودعا بالنسبة إلى متعلق الدعاء يتعدى بإلى قال الله تعالى : { وإذا دعوا إلى الله } الآية .

وقال الشاعر :

وإن دعوت إلى جلّى ومكرمة *** يوماً سراة كرام الناس فادعينا

وتتعدى باللام أيضاً قال الشاعر :

وإن أدع للجلى أكن من حماتها *** وقال آخر :

دعوت لما نابني مسوراً *** وقال ابن عطية : والضمير في { إليه } يحتمل أن يعود إلى الله بتقدير فيكشف ما تدعون فيه إلى الله ؛ انتهى .

وهذا ليس بجيد لأن دعا بالنسبة إلى مجيب الدعاء إنما يتعدّى لمفعول به دون حرف جر قال تعالى : { ادعوني أستجب لكم } { أجيب دعوة الدّاع إذا دعان } ومن كلام العرب دعوت الله سميعاً ولا تقول بهذا المعنى دعوت إلى الله بمعنى دعوت الله إلا أنه يمكن أن يصحح كلامه بدعوى التضمين ضمن يدعون معنى يلجؤون ، كأنه قيل فيكشف ما يلجؤون فيه بالدّعاء إلى الله لكن التضمين ليس بقياس ولا يضار إليه إلا عند الضرورة ، ولا ضرورة عنا تدعو إليه وعذق تعالى الكشف بمشيئته فإن شاء أن يتفضل بالكشف فعل وإن لم يشأ لم يفعل لا يجب عليه شيء .

قال الزمخشري : إن شاء إن أراد أن يتفضل عليكم ولم تكن مفسدة ؛ انتهى .

وفي قوله : ولم تكن مفسدة دسيسة الاعتزال ، وظاهر قوله : { وتنسون ما تشركون } النسيان حقيقة والذهول والغفلة عن الأصنام لأن الشخص إذا دهمه ما لا طاقة له بدفعه تجرد خاطره من كل شيء إلا من الله الكاشف لذاك الداهم ، فيكاد يصير كالملجأ إلى التعلق بالله والذهول عن من سواه فلا يذكر غير الله القادر على كشف ما دهم .

وقال الزمخشري : { وتنسون ما تشركون } وتكرهون آلهتكم وهذا فيه بعد .

وقال ابن عطية : تتركونهم وتقدم قوله هذا وسبقه إليه الزجاج فقال : تتركونهم لعلمكم أنهم في الحقيقة لا يضرون ولا ينفعون .

وقال النحاس : هو مثل قوله { لقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي } وقيل : يعرضون إعراض الناسي لليأس من النجاة من قبله ، و { ما } موصولة أي وتنسون الذي تشركون .

وقيل : { ما } مصدرية أي وتنسون إشراككم ومعنى هذه الجمل بل لا ملجأ لكم إلا الله تعالى وأصنامكم مطرحة منسية قاله ابن عطية .