البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ} (44)

{ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء } أي فلما تركوا الاتعاظ والازدجار بما ذكروا به من البأس استدرجناهم بتيسير مطالبهم الدنيوية وعبر عن ذلك بقوله : { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } إذ يقتضي شمول الخيرات وبلوغ الطلبات .

{ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة } معنى هذه الجمل معنى قوله { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً } وفي الحديث الصحيح عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا رأيتم الله تعالى يعطي العباد ما يشاؤون على معاصيهم فإنما ذلك استدراج منه لهم » ثم تلا { فلما نسوا ما ذكروا به } الآية ، والأبواب استعارة عن الأسباب التي هيأها الله لهم المقتضية لبسط الرزق عليهم والإبهام في هذا العموم لتهويل ما فتح عليهم وتعظيمه وغيا الفتح بفرحهم بما أوتوا وترتب على فرحهم أخذهم بغتة أي إهلاكهم فجأة وهو أشد الإهلاك إذ لم يتقدم شعور به فتتوطن النفس على لقائه ، ابتلاهم أولاً بالبأساء والضراء فلم يتعظوا ثم نقلهم إلى ما أوجب سرورهم من إسباغ النعم عليهم فلم يجد ذلك عندهم ولا قصدوا الشكر ولا أصغوا إلى إنابة بل لم يحصلوا إلا على فرح بما أسبغ عليهم .

قال محمد بن النضر الحارثي : أمهل هؤلاء القوم عشرين سنة .

{ فإذا هم مبلسون } أي باهتون بائسون لا يخبرون جواباً .

وقرأ ابن عامر فتحنا بتشديد التاء والتشديد لتكثير الفعل وإذا هي الفجائية وهي حرف على مذهب الكوفيين وظرف مكان ، ونسب إلى سيبويه وظرف زمان وهو مذهب الرياشي والعامل فيها إذا قلنا بظرفيتها هو خبر المبتدإ أي ، ففي ذلك المكان { هم مبلسون } أي مكان إقامتهم وذلك الزمان { هم مبلسون } وأصل الإبلاس الإطراق لحلول نقمة أو زوال نعمة .

قال الحسن : مكتئبون .

وقال السدي : هالكون .

وقال ابن كيسان وقطرب : خاشعون .

وقال ابن عباس : متحيرون .

وقال الزجاج : متحسرون .

وقال ابن جرير : الساكت عند انقطاع الحجة .