{ قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين } روي أن عيسى لبس جبة شعر ورداء شعر وقام يصلي ويبكي ويدعو وتقدّم الكلام على لفظة { اللهم } في آل عمران ونادى ربه أولاً بالعلم الذي لا شركة فيه ثم ثانياً بلفظ { ربنا } مطابقاً إلى مصلحنا ومربينا ومالكنا .
وقرأ الجمهور { تكون لنا } على أن الجملة صفة لمائدة .
وقرأ عبد الله والأعمش { يكن } بالجزم على جواب الأمر والمعنى يكن يوم نزولها عيداً وهو يوم الأحد ومن أجل ذلك اتخذه النصارى عيداً .
وقيل العيد السرور والفرح ولذلك يقال يوم عيد فالمعنى يكون لنا سروراً وفرحاً والعيد المجتمع لليوم المشهود وعرفه أن يقال فيما يستدير بالسنة أو بالشهر أو بالجمعة ونحوه .
وقيل العيد لغة ما عاد إليك من شيء في وقت معلوم سواء كان فرحاً أو ترحاً وغلبت الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية .
وقال الخليل العيد كل يوم يجمع الناس لأنهم عادوا إليه .
قال ابن عباس { لأولنا } لأهل زماننا { وآخرنا } من يجيء بعدنا .
وقيل { لأولنا } المتقدمين منا والرؤساء { وآخرنا } يعني الاتباع والأولية والآخرية فاحتملتا الأكل والزمان والرتبة والظاهر الزمان .
وقرأ زيد بن ثابت وابن محيصن والجحدري لأولانا وأخرانا أنثوا على معنى الأمة والجماعة والمجرور بدل من قوله { لنا } وكرر العامل وهو حرف الجر كقوله { منها من غم } والبدل من ضمير المتكلم والمخاطب إذا كان بدل بعض أو بدل اشتمال جاز بلا خلاف وإن كان بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة فإن أفاد معنى التأكيد جاز لهذا البدل إذ المعنى تكون لنا عيداً كلنا كقولك مررت بكم أكابركم وأصاغركم لأن معنى ذلك مررت بكم كلكم وإن لم تفد توكيداً فمسألة خلاف الأخفش بخير وغيره من البصريين بمنع ، ومعنى { وآية منك } علامة شاهدة على صدق عبدك .
وقيل حجة ودلالة على كمال قدرتك .
وقرأ اليماني { وأنه منك } والضمير في { وأنه } إما للعيد أو الإنزال .
{ وارزقنا } قيل المائدة ، وقيل الشكر لنعمتك { وأنت خير الرازقين } لأنك الغني الحميد تبتدىء بالرزق .
قال أبو عبد الله الرازي تأمل هذا الترتيب فإن الحواريين لما سألوا المائدة ذكروا في طلبها أغراضاً فقدموا ذكر الأكل وأخروا الأغراض الدينية الروحانية وعيسى طلب المائدة وذكر أغراضه فقدم الدينية وأخر أغراض الأكل حيث قال { وارزقنا } وعند هذا يلوح لك مراتب درجات الأرواح في كون بعضها روحانية وبعضها جسمانية ، ثم إن عيسى عليه السلام لشدة صفاء وقته وإشراق روحه لما ذكر الرزق بقوله { وارزقنا } لم يقف عليه بل انتقل من الرزق إلى الرازق فقال { وأنت خير الرازقين } فقوله { ربنا } ابتداء منه بنداء الحق سبحانه وتعالى وقوله { أنزل علينا مائدة } انتقال من الذات إلى الصفات وقوله { تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا } إشارة إلى ابتهاج الروح بالنعمة لا من حيث إنها نعمة بل من حيث إنها صادرة عن المنعم وقوله { وآية منك } إشارة إلى حصة النفس وكل ذلك نزل من حضرة الجلال فانظر كيف ابتدأ بالأشرف فالأشرف نازلاً إلى الأدون فالأدون { وأنت خير الرازقين } وهو عروج مرة أخرى من الأخس إلى الأشرف وعند هذا يلوح همه من كيفية عروج الأرواح المشرقة النورانية الإلهية ونزولها اللهم اجعلنا من أهله ، وهو كلام دائر بين لفظ فلسفي ولفظ صوفي وكلاهما بعيد عن كلام العرب ومناحيها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.