البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ولما كان في المؤمنين من يقول ما لا يفعل ، وهو راجع إلى الكذب ، فإن ذلك في معنى الإذاية للرسول عليه الصلاة والسلام ، إذ كان في أتباعه من عانى الكذب ، فناسب ذكر قصة موسى وقوله لقومه : { لم تؤذونني } ، وإذايتهم له كان بانتقاصه في نفسه وجحود آيات الله تعالى واقتراحاتهم عليه ما ليس لهم اقتراحه ، { وقد تعلمون } : جملة حالية تقتضي تعظيمه وتكريمه ، فرتبوا على علمهم أنه رسول الله ما لا يناسب العلم وهو الإذاية ، وقد تدل على التحقق في الماضي والتوقع في المضارع ، والمضارع هنا معناه المضي ، أي وقد علمتم ، كقوله :

{ قد يعلم ما أنتم عليه } أي قد علم ، { قد نرى تقلب } وعبر عنه بالمضارع ليدل على استصحاب الفعل ، { فلما زاغوا } عن الحق ، { أزاغ الله قلوبهم } .

قال الزمخشري : بأن منع ألطافه ، { والله لا يهدي القوم الفاسقين } : لا يلطف بهم ، لأنهم ليسوا من أهل اللطف .

وقال غيره : أسند الزيغ إليهم ، ثم قال : { أزاغ الله } كقوله تعالى : { نسوا الله فأنساهم أنفسهم } وهو من العقوبة على الذنب بالذنب ، بخلاف قوله : { ثم تاب عليهم ليتوبوا }