البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

ولما ذكر شيئاً من قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل ، ذكر أيضاً شيئاً من قصة عيسى عليه السلام .

وهناك قال : { يا قوم } لأنه من بني إسرائيل ، وهنا قال عيسى : { يا بني إسرائيل } من حيث لم يكن له فيهم أب ، وإن كانت أمه منهم .

ومصدقاً ومبشراً : حالان ، والعامل رسول ، أي مرسل ، ويأتي واسمه جملتان في موضع الصفة لرسول أخبر أنه مصدق لما تقدم من كتب الله الإلهية ، ولمن تأخر من النبي المذكور ، لأن التبشير بأنه رسول تصديق لرسالته .

وروي أن الحواريين قالوا : يا رسول الله هل بعدنا من أمة ؟ قال : « نعم ، أمة أحمد صلى الله عليه وسلم ، حكماء علماء أبرار أتقياء ، كأنهم من الفقه أنبياء يرضون من الله باليسير من الرزق ، ويرضى الله منهم بالقليل من العمل » وأحمد علم منقول من المضارع للمتكلم ، أو من أحمد أفعل التفضيل ، وقال حسان :

صلى الإله ومن يحف بعرشه *** والطيبون على المبارك أحمد

وقال القشيري : بشر كل نبي قومه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، والله أفرد عيسى بالذكر في هذا الموضع لأنه آخر نبي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، فبين أن البشارة به عمت جميع الأنبياء واحداً بعد واحد حتى انتهت إلى عيسى عليه السلام .

والظاهر أن الضمير المرفوع في { جاءهم } يعود على عيسى لأنه المحدث عنه .

وقيل : يعود على أحمد .

لما فرغ من كلام عيسى ، تطرق إلى الإخبار عن أحمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك على سبيل الإخبار للمؤمنين ، أي فلما جاء المبشر به هؤلاء الكفار بالمعجزات الواضحة قالوا : { هذا سحر مبين } .

وقرأ الجمهور : سحر ، أي ما جاء به من البينات .

وقرأ عبد الله وطلحة والأعمش وابن وثاب : ساحر ، أي هذا الحال ساحر .