البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (8)

ذكروا في النصوح أربعة وعشرين قولاً .

وروي عن عمر وعبد الله وأبي ومعاذ أنها التي لا عودة بعدها ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع ، ورفعه معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

وقرأ الجمهور : { نصوحاً } بفتح النون ، وصفاً لتوبة ، وهو من أمثلة المبالغة ، كضروب وقتول .

وقرأ الحسن والأعرج وعيسى وأبو بكر عن عاصم ، وخارجة عن نافع : بضمها ، هو مصدر وصف به ، ووصفها بالنصح على سبيل المجاز ، إذ النصح صفة التائب ، وهو أن ينصح نفسه بالتوبة ، فيأتي بها على طريقها ، وهي خلوصها من جميع الشوائب المفسدة لها ، من قولهم : عسل ناصح ، أي خالص من الشمع ، أو من النصاحة وهي الخياطة ، أي قد أحكمها وأوثقها ، كما يحكم الخياط الثوب بخياطته وتوثيقه .

وسمع عليّ أعرابياً يقول : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك ، فقال : يا هذا إن سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذابين ، قال : وما التوبة ؟ قال : يجمعها ستة أشياء : على الماضي من الذنوب الندامة ، وعلى الفرائض الإعادة ، ورد المظالم واستحلال الخصوم ، وأن يعزم على أن لا يعودوا ، وأن تدئب نفسك في طاعة الله كما أدأبتها في المعصية ، وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعاصي .

وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه . انتهى .

ونصوحاً من نصح ، فاحتمل وهو الظاهر أن تكون التوبة تنصح نفس التائب ، واحتمل أن يكون متعلق النصح الناس ، أي يدعوهم إلى مثلها لظهور أمرها على صاحبها .

وقرأ زيد بن علي : توباً بغير تاء ، ومن قرأ بالضم جاز أن يكون مصدراً وصف كما قدمناه ، وجاز أن يكون مفعولاً له ، أي توبوا لنصح أنفسكم .

وقرأ الجمهور : { ويدخلكم } عطفاً على { أن يكفر } .

وقال الزمخشري : عطفاً على محل عسى أن يكفر ، كأنه قيل : توبوا يوجب تكفير سيآتكم ويدخلكم . انتهى .

والأولى أن يكون حذف الحركة تخفيفاً وتشبيهاً لما هو من كلمتين بالكلمة الواحدة ، تقول في قمع ونطع : قمع ونطع .

{ يوم لا يخزي } منصوب بيدخلكم ، ولا يخزي تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر ، والنبي هو محمد رسول صلى الله عليه وسلم ، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم تضرع إلى الله عز وجل في أمر أمته ، فأوحى الله تعالى إليه : إن شئت جعلت حسابهم إليك ، فقال : « يا رب أنت أرحم بهم » ، فقال تعالى : إذاً لا أخزيك فيهم .

وجاز أن يكون : { والذين } معطوفاً على { النبي } ، فيدخلون في انتفاء الخزي .

وجاز أن يكون مبتدأ ، والخبر { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } .

وقرأ سهل بن شعيب وأبو حيوة : وبإيمانهم بكسر الهمزة ، وتقدم في الحديث .

{ يقولون ربنا أتمم لنا نورنا } .

قال ابن عباس والحسن : يقولون ذلك إذا طفىء نور المنافقين .

وقال الحسن أيضاً : يدعونه تقرباً إليه ، كقوله : { واستغفر لذنبِك } وهو مغفور له .

وقيل : يقوله من يمر على الصراط زحفاً وحبوا .

وقيل : يقوله من يعطى من النور مقدار ما يبصر به موضع قدميه .