البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ} (4)

{ ثم ارجع البصر } : أي ردده كرتين هي تثنية لا شفع الواحد ، بل يراد بها التكرار ، كأنه قال : كرة بعد كرة ، أي كرات كثيرة ، كقوله : لبيك ، يريد إجابات كثيرة بعضها في إثر بعض ، وأريد بالتثنية التكثير ، كما أريد بما هو أصل لها التكثير ، وهو مفرد عطف على مفرد ، نحو قوله :

لو عدّ قبر وقبر كان أكرمهم *** بيتاً وأبعدهم عن منزل الزام

يريد : لوعدت قبور كثيرة .

وقال ابن عطية وغيره : { كرتين } معناه مرتين ونصبها على المصدر .

وقيل : أمر برجع البصر إلى السماء مرتين ، غلط في الأولى ، فيستدرك بالثانية .

وقيل : الأولى ليرى حسنها واستواءها ، والثانية ليبصر كواكبها في سيرها وانتهائها .

وقرأ الجمهور : { ينقلب } جزماً على جواب الأمر ؛ والخوارزمي عن الكسائي : يرفع الباء ، أي فينقلب على حذف الفاء ، أو على أنه موضع حال مقدرة ، أي إن رجعت البصر وكررت النظر لتطلب فطور شقوق أو خللاً أو عيباً ، رجع إليك مبعداً عما طلبته لانتفاء ذلك عنها ، وهو كالّ من كثرة النظر ، وكلاله يدل على أن المراد بالكرتين ليس شفع الواحد ، لأنه لا يكل البصر بالنظر مرتين اثنتين .

والحسير : الكال ، قال الشاعر :

لهن الوجى لم كر عوناً على النوى *** ولا زال منها ظالع وحسير

يقال : حسر بعيره يحسر حسوراً : أي كلّ وانقطع فهو حسير ومحسور ، قال الشاعر يصف ناقة :

فشطرها نظر العينين محسور . . .

أي : ونحرها ، وقد جمع حسير بمعنى أعيا وكل ، قال الشاعر :

بها جيف الحسرى فأما عظامها . . .

البيت .