البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

وانتصب { طباقاً } على الوصف السبع ، فإما أن يكون مصدر طابق مطابقة وطباقاً لقولهم : النعل خصفها طبقاً على طبق ، وصف به على سبيل المبالغة ، أو على حذف مضاف ، أي ذا طباق ؛ وإما جمع طبق كجمل وجمال ، أو جمع طبقة كرحبة ورحاب ، والمعنى : بعضها فوق بعض .

وما ذكر من مواد هذه السموات .

فالأولى من موج مكفوف ، والثانية من درّة بيضاء ، والثالثة من حديد ، والرابعة من نحاس ، والخامسة من فضة ، والسادسة من ذهب ، والسابعة من زمردة بيضاء يحتاج إلى نقل صحيح ، وقد كان بعض من ينتمي إلى الصلاح ، وكان أعمى لا يبصر موضع قدمه ، يخبر أنه يشاهد السموات على بعض أوصاف مما ذكرنا .

{ من تفاوت } ، قال ابن عباس : من تفرّق .

وقال السدّي : من عيب .

وقال عطاء بن يسار : من عدم استواء .

وقال ثعلب : أصله من الفوت ، وهو أن يفوت شيء شيئاً من الخلل .

وقيل : من اضطراب .

وقيل : من اعوجاج .

وقيل : من تناقض .

وقيل : من اختلاف .

وقيل : من عدم التناسب والتفاوت ، تجاوز الحد الذي تجب له زيادة أو نقص .

قال بعض الأدباء :

تناسبت الأعضاء فيه فلا ترى *** بهن اختلافاً بل أتين على قدر

وقرأ الجمهور : { من تفاوت } ، بألف مصدر تفاوت ؛ وعبد الله وعلقمة والأسود وابن جبير وطلحة والأعمش : بشدّ الواو ، مصدر تفوّت .

وحكى أبو زيد عن العربي : تفاوتاً بضم الواو وفتحها وكسرها ، والفتح والكسر شاذان .

والظاهر عموم خلق الرحمن من الأفلاك وغيرها ، فإنه لا تفوت فيه ولا فطور ، بل كل جار على الإتقان .

وقيل : المراد في { خلق الرحمن } السموات فقط ، والظاهر أن قوله تعالى : { ما ترى } استئناف أنه لا يدرك في خلقه تعالى تفاوت ، وجعل الزمخشري هذه الجملة صفة متابعة لقوله : { طباقاً } ، أصلها ما ترى فيهن من تفاوت ، فوضع مكان الضمير قوله : { خلق الرحمن } تعظيماً لخلقهن وتنبيهاً على سبب سلامتهن من التفاوت ، وهو أنه خلق الرحمن ، وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المناسب . انتهى .

والخطاب في ترى لكل مخاطب ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم .

ولما أخبر تعالى أنه لا تفاوت في خلقه ، أمر بترديد البصر في الخلق المناسب فقال : { فارجع } ، ففي الفاء معنى التسبب ، والمعنى : أن العيان يطابق الخبر .

و { الفطور } ، قال مجاهد : الشقوق ، فطر ناب البعير : شق اللحم وظهر ، قال الشاعر :

بنى لكم بلا عمد سماء *** وسوّاها فما فيها فطور

وقال أبو عبيدة : صدوع ، وأنشد قول عبيد بن مسعود :

شققت القلب ثم رددت فيه *** هواك فليط فالتأم الفطور

وقال السدي : خروق .

وقال قتادة : خلل ، ومنه التفطير والانفطار .

وقال ابن عباس : وهن وهذه تفاسير متقاربة ، والجملة من قوله : { هل ترى من فطور } في موضع نصب بفعل معلق محذوف ، أي فانظر هل ترى ، أو ضمن معنى { فارجع البصر } معنى فانظر ببصرك هل ترى ؟ فيكون معلقاً .