البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ} (5)

{ السماء الدنيا } : هي التي نشاهدها ، والدنو أمر نسبي وإلا فليست قريبة ، { بمصابيح } : أي بنجوم مضيئة كالمصابيح ، ومصابيح مطلق الأعلام ، فلا يدل على أن غير سماء الدنيا ليست فيها مصابيح .

{ وجعلناها رجوماً للشياطين } : أي جعلنا منها ، لأن السماء ذاتها ليست يرجم بها الرجوم هذا إن عاد الضمير في قوله : { وجعلناها } على السماء .

والظاهر عوده على مصابيح .

ونسب الرجم إليها ، لأن الشهاب المتبع للمسترق منفصل من نارها ، والكواكب قارّ في ملكه على حاله .

فالشهاب كقبس يؤخذ من النار ، والنار باقية لا تنقص .

والظاهر أن الشياطين هم مسترقو السمع ، وأن الرجم هو حقيقة يرمون بالشهب ، كما تقدم في سورة الحجر وسورة والصافات .

وقيل : معنى رجوماً : ظنوناً لشياطين الإنس ، وهم المنجمون ينسبون إلى النجوم أشياء على جهة الظن من جهالهم ، والتمويه والاختلاق من أذكيائهم ، ولهم في ذلك تصانيف تشتمل على خرافات يموهون بها على الملوك وضعفاء العقول ، ويعملون موالد يحكمون فيها بالأشياء لا يصح منها شيء .

وقد وقفنا على أشياء من كذبهم في تلك الموالد ، وما يحكونه عن أبي معشر وغيره من شيوخ السوء كذب يغرون به الناس الجهال .

وقال قتادة : خلق الله تعالى النجوم زينة للسماء ورجوماً للشياطين ، وليهتدي بها في البر والبحر ؛ فمن قال غير هذه الخصال الثلاث فقد تكلف وأذهب حظه من الآخرة .

والضمير في لهم عائد على الشياطين .