البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبۡعَثَنَّ عَلَيۡهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (167)

{ ليبعثن } ليرسلن وليسلطن لقوله { بعثنا عليكم عباداً لنا } والضمير في { عليهم } عائد على اليهود قاله الجمهور أو { عليهم } وعلى النصارى قاله مجاهد ، وقيل : نسل الممسوخين والذين بقوا منهم وقيل : يهود خيبر وقريظة والنضير وعلى هذا ترتب الخلاف في من { يسومهم } ، فقيل : بختصر ومن أذلهم بعده إلى يوم القيامة ، وقيل المجوس كانت اليهود تؤدي الجزية إليهم إلى أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فضربها عليهم فلا تزال مضروبة عليهم إلى آخر الدهر ، وقيل : العرب كانوا يجبون الخراج من اليهود قاله ابن جبير ، وقال السّدّي بعث الله عليهم العرب يأخذون منهم الجزية ويقتلونهم ، وقال ابن عباس المبعوث عليهم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ولم يجب الخراج بني قط إلا موسى جباه ثلاث سنة ثم أمسك للنبي صلى الله عليه وسلم ، و { سوء العذاب } الجزية أو الجزية والمسكنة وكلاهما عن ابن عباس أو القتال حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وقيل : الإخراج والإبعاد عن الوطن وذلك على قول من قال إن الضمير في { عليهم } عائد على أهل خيبر وقريظة والنضير وهذه الآية تدلّ على أن لا دولة لليهود ولا عزّ وأن الذلّ والصغار فيهم لا يفارقهم ولما كان خبراً في زمان الرسول عليه السلام وشاهدنا الأمر كذلك كان خبراً عن مغيب صدقاً فكان معجزاً وأما ما جاء في أتباع الدّجال أنهم هم اليهود فتسمية بما كانوا عليه إذ هم في ذلك الوقت دانوا بإلهية الدجال فلا تعارض بين هذا الخبر إن صح والآية ، وفي كتاب ابن عطية : ولقد حدثت أن طائفة من الروم أملقت في صقعها فباعت اليهود المجاورة لهم وتملكوهم .

{ إن ربك لسريع العقاب } .

إخبار يتضمن سرعة إيقاع العذاب بهم .

{ وإنه لغفور رحيم } .

ترجية لمن آمن منهم ومن غيرهم ووعد لمن تاب وأصلح .