البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} (21)

نصح بذل المجهود في تبيين الخير وهو ضد غش ويتعدى بنفسه وباللام نصحْتُ زيداً ونصحتُ لزيد ويبعد أن يكون يتعدى لواحد بنفسه ولآخر بحرف الجرّ وأصله نصحت لزيد ، من قولهم نصحت لزيد الثوب بمعنى خطته خلافاً لمن ذهب إلى ذلك .

{ وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } لم يكتف إبليس بالوسوسة وهو الإلقاء في خفية سرًّا ولا بالقول حتى أقسم على أنه ناصح لهما والمقاسمة مفاعلة تقتضي المشاركة في الفعل فتقسم لصاحبك ويقسم لك تقول قاسمت فلاناً خالفته وتقاسما تحالفاً وأما هنا فمعنى وقاسمهما أقسم لهما لأنّ اليمين لم يشاركاه فيها .

وهو كقول الشاعر :

وقاسمهما بالله جهداً لأنتم *** ألذّ من السّلوى إذا ما نشورها

وفاعل قد يأتي بمعنى أفعل نحو باعدت الشيء وأبعدته ، وقال ابن عطية وقاسمهما أي حلف لهما وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له وإقباله على معنى اليمين كالقسم وتقريره وإن كان بادي الرأي يعني أنها من واحد ، وقال الزمخشري : كأنه قال لهما أقسم لكما أني لمن الناصحين وقالا له أتقسم بالله إنك لمن الناصحين ، فجعل ذلك مقاسمة بينهم أو أقسم لهما بالنصيحة وأقسما له بقبولها أو أخرج قسم إبليس على وزن المفاعلة لأنه اجتهد فيها اجتهاد المقاسم انتهى ، وقرىء وقاسمهما بالله و { لكما } متعلّق بمحذوف تقديره ناصح لكما أو أعني أو بالناصحين على أنّ أل موصولة وتسومح في الظرف والمجرور ما لا يتسامح في غيرهما أو على أنّ أل لتعريف الجنس لا موصولة أوجه مقولة .