قوله تعالى : { وقَاسَمَهُمَا } : المفاعلةُ هنا تحتمل أن تكون على بابها ، فقال الزمخشري : " كأنه قال لهما : أُقسم لكما إني لمن الناصحين ، وقالا له : أتقسم بالله أنت إنك لمن الناصحين لنا ، فَجعَل ذلك مقاسمةً بينهم ، أو أقسم لهما بالنصيحة وأقسما له بقبولها ، أو أَخْرج قسمَ إبليس على وزن المفاعلة ؛ لأنه اجتهد فيها اجتهادَ المُقاسِم " . وقال ابن عطية : " وقاسمهما : أي حلف لهما ، وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له وإقباله على معنى اليمين كالقسم وتقريره ، وإن كان بادئَ الرأي يعطي أنها من واحد " ، ويحتمل أن يكون فاعَل بمعنى أفعل كباعَدْته وأبعدته ، وذلك أن الحَلْفَ إنما كان من إبليس دونهما وعليه قول خالد بن زهير :
وقاسَمَها بالله جَهْداً لأنتمُ *** ألذَّ مِنَ السَّلوى إذا ما نشورها
قوله : { لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِين } يجوز في " لكما " أن يتعلق بما بعده على أن أل معرفةٌ لا موصولة ، وهذا مذهبُ أبي عثمان ، أو على أنها الموصولة ولكن تُسُومح في الظرف وعديله ما لا يتسامح في غيرهما اتساعاً فيهما لدوَرانهما في الكلام ، وهو رأي بعض البصريين وأنشد :
رَبَّيْتُهُ حتى إذا تَمَعْدَدا *** كان جزائي بالعصا أن أُجْلدا
ف " بالعصا " متعلق بأُجْلَد وهو صلة أَنْ ، أو أن ذلك جائز مطلقاً ولو في المفعول به الصريح ، وهو رأي الكوفيين وأنشدوا :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وشفاءُ غَيِّك خابِراً أن تسألي
أي : أن تسألي خابراً ، أو أنه متعلقٌ بمحذوف على البيان أي : أعني لكما كقولهم : سقياً لك ورَعياً ، أو تعلَّق بمحذوف مدلول عليه بصلة أل أي : إني ناصحٌ لكما . ومثلُ هذه الآية الكريمة : { إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ الْقَالِينَ }
[ الشعراء : 168 ] { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ } [ يوسف : 20 ] : وجعل ابن مالك ذلك مطَّرداً في مسألة أل الموصولة إذا كانت مجرورة ب مِنْ .
ونَصَح يتعدى لواحد تارةً بنفسه وتارة بحرف الجر ، ومثله شكر ، وقد تقدم ، وكال ووزن . وهل الأصلُ التعدِّي بحرف الجر أو التعدي بنفسه أو كلٌّ منهما أصل ؟ الراجح الثالث . وزعم بعضُهم أن المفعول في هذه الأفعال محذوفٌ وأن المجرور باللام هو الثاني ، فإذا قلت : نصحتُ لزيدٍ فالتقدير : نصحت لزيد الرأيَ . وكذلك شَكَر له صنيعه وكِلْتُ له طعامه ووَزَنْتُ له متاعه فهذا مذهب رابع . وقال الفراء : " العربُ لا تكاد تقول : نصحتك ، إنما يقولون نصحتُ لك وأنصح لك " ، وقد يجوز نصحتك . قال النابغة :
نصحتُ بني عوفٍ فلم يتقبَّلوا *** رسولي ولم تنجحْ لديهم وسائلي
والنُّصْحُ : بَذْلُ الجهد في طلب الخير خاصة ، وضده الغش . وأمَّا " نصحت لزيد ثوبه " فمتعدٍ لاثنين لأحدهما بنفسه ، وللثاني بحرف الجر باتفاق ، وكأن النصح الذي هو بذل الجهد في الخير مأخوذ مِنْ أحد معنيين : إمَّا مِنْ نَصَح أي أخلص ، ومنه : ناصح العسل أي خالصه ، فمعنى نصحه أخلصَ له الوُدَّ ، وإمَّا من نَصَحْتُ الجِلْد والثوب إذا أحكمتَ خياطتهما ، ومنه الناصح للخيَّاط والنِّصاح للخيط ، فمعنى نَصَحه أي : أحكم رأيه منه . ويقال : نَصَحه نُصوحاً ونَصاحة قال تعالى : { تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } [ التحريم : 8 ] بضم النون في قراءة أبي بكر ، وقال الشاعر في " نَصاحة " :
أَحْبَبْتُ حُبَّاً خالَطَتْه نَصاحةٌ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.